Monday, June 25, 2012

فزاعة مرور فيصل

كان زمان لو حد حلفلي على كل الكتب المقدسة أنه ممكن يجدد رخصة عربيته في أحدى عشرة زيارة للمرور أكيد ما كنتش هاقتنع ولو قاللي أن الرخصة سليمة والعربية مش عاليها مخالفات ولا أية مشاكل كنت هاقول انه بيشتغلني بس للأسف ده حصل لواحد أعرفه كويس قوي ومستحيل يكون بيضحك علي عشان الواحد ده يبقى ... أنا ... 


انتهت صلاحية رخصة سيارتي وباقي أسبوعين وتنتهي فترة السماح فقررت تجديدها قبل انتهائها إحتراما للنظام والقانون ولكن ياليتني ما كنت قد أشتريتها من أصله نظرا للكابوس الذي عشته ومازلت أعيشه بسبب مجرد التفكير في احترام القانون وتغيير ورقة بورقة أخرى لا قيمة لها أو فائدة لأحد. 

عندما قررت الذهاب كان يوم الاثنين الموافق 18 يونيو 2012 أي اليوم التالي لإنتهاء إنتخابات الرئاسة المصرية، ولأن الرخصة كانت تابعة لمرور فيصل أخذت مترو الانفاق حتى فيصل ونزلت وسألت المارة عن موقع إدارة المرور فأشاروا عليه وكان لا يبعد كثيرا عن المحطة، وقبل وصولي لاحظت كشك تصوير فطلبت من البائعة أن تصور لي البطاقة والرخصة والتوكيل قد ربما احتاجهم في الداخل، فقالت لي إنني سأحتاج أيضا ملف تجديد وأنه لديها فأخذته منها وبه بعض الوريقات ثم قالت لي أن التكلفة الإجمالية لتصوير الورق والملف 35 جنيها، وبالطبع لاحظت أنها طلبت أكثر من القيمة الحقيقية فالملف به أوراق قيمتها حوالي 5 جنيهات فقط، ولكنني لم أكترث كثيرا نظرا لذوق البائعة وشرحها لي كافة تفاصيل التجديد وأماكن الموظفين المسئولين. ثم عرضت على أن تساعدني في إنهاء الورق: "مش عاوز حد يخلصهالك بسرعة؟" فلم أهتم ولم أفكر أصلا أن ما قالته في أول يوم هو مؤشر البركان المزمع أن أعيشه.


دخلت المرور كلي أمل وتفاؤل لإنجاز هذه المهمة البسيطة، وكان أول شباك علىً الذهاب إليه هو شركة التأمين الإجباري فاشتريت تأمينا لمدة عام صمنه 108 جنيه وطبعا أخذ 110 عشان البيه مش معاه فكة، ثم ذهبت إلي نيابة المرور لاستخراج شهادة بيانات، فوقفت في الصف أمامه والموظف بالداخل منهمك في الكلام مع أحد المواطنين في أمر لا يتعلق بالنيابة وعندما انتهى أخذ ورق أول مواطن في الصف وبعد ملئ الأوراق خرج من الغرفة وعاد ليخبرنا أنه لا توجد نيابة اليوم لأنهم أجازة بعد الإنتخابات. فلم أجد ما أقوله سوى المغادرة والعودة لعملي. 
قررت الإنتظار بضعة أيام كي أَضمن عودة النيابة فذهبت يوم الأحد 24 يونيو 2012 لإنهاء الإجراءات وتجديد تلك الرخصة. وصلت أمام بوابة إدارة المرور الساعة الثامنة لا أعلم أنهم يبدأون في الثامنة والنصف فانتظرت نصف ساعة في الشارع لألاحظ ذلك الكم الهائل من "المخلصاتية" أو السماسرة وهم شباب شكلهم فعلا بلا مبالغة بلطجية كما يقول الكتاب يسألون الجميع عما إن كانوا يريدون انهاء الإجراءات في وقت أقل وأسرع: عاوز تطلع رخصة؟ تجديد؟ عاوز شهادة طبية؟ مخالفات؟ بيانات؟... الخ. ثم لاحظت أحدهم واقفا في الشمس فقلت لنفسي ما الضرر من الراحة سأعطيه الملف وعشرة جنيهات مثلا واستريح في أي مكان إلي أن يأتيني بالرخصة وابقى كدة استفدت منه وهو كمان استفاد واستنفع بدل ما يستغل منظره ده في البلطجة والسرقة. فوافق بالطبع ولكنه قال لي أن احتفظ بالملف معي. وعندما فتحوا الباب لم أجده فلم اكترث وذهبت لشباك النيابة ولما جاء دوري أخبرني الموظف: "هل تعرف رقم لوحة السيارة السابق؟" يا له من سؤال غريب. فقلت له بالطبع لا. فقال لي اذن ستنتظر ساعة حتى نأتي بالرقم ثم أكتب لك شهادة البيانات، فتركت له الورق وذهبت أبحث عن "صابر" المخلصاتي إلي أن وجدته فطلب مني عشرين جنيها للعسكري عشان يجيب الملف بسرعة وعشرين أخرى له فأعطيته ثلاثين للاثنين فاخذ مني صورة الرخصة واختفى  حوالي ربع ساعة أخبرني خلالها أن أدفع الضريبة، فذهب هو وذهبت أدفع الضريبة فأخبرني الموظف على الخزينة أن أحضر "حافظة" للدفع فسألت ومن أين فأخبروني على الشباك المختص، وبالرغم من أن الوقت كان مبكرا جدا إلا أن الصف أمام هذا الشباك كان طويلا ولكن لم تكن هذه المشكلة بل كان الموظف أصلا ليس بالداخل، وبدون أية مناسبة وجدنا ساعيا يشير إلي موظف يشرب شاي ويقرا الجريدة وبيقول هو ده الموظف اللي انتوا مستنينه. لم يعجبني الوضع فخرجت من الصف منتظرا "صابر" إلي أن جاء ومعه شهادة البيانات مختومة من المرور وأعطاني أياها وسألني إن كنت أريد شيئا آخر بطريقة تدل كما لو كان قد فعل جميلا أو معروف، فأخبرته باشمئزاز: أنا عاوز أجدد الرخصة انت اللي تشوف فاضل أيه، فطلب مني عشرة جنيهات للموظف ثم ذهب ليحضر تلك الحافظة من شباك آخر ولما احضرها ذهبت أنا لأدفع الضريبة 275 جنيها قيمة تجديد عام واحد. 


الآن باقي شهادة المخالفات، فذهبت إلي صابر السمسار فقال لي ستكلفك 100 جنيه ودي هايخدوها الموظفين وأنا مش هاخد حاجة اللي تقدًره أنت ليا، فقلت له شكرا على قد كدة أنا مش هادفع 100 جنيه عشان رخصة تتجدد ماعلهاش أصلا مخالفات، فذهبت إلي المكان المختص وهو مبنى آخر في ظهر نيابة المرور، وقفت في الطابور إلي أن جاء دوري فأخذ الموظف مني الرخصة وسألني عن رقم الرخصة السابق (كما فعلوا من قبل -- على أساس أنها حاجة معروفة مثلا أنى أحفظ رقم عربيتي ورقمها لما ما كانتش عربيتي) ولكني هذه المرة كنت قد أخذت حيطتي وسجلت الرقم من المرة السابقة فأخبرني بأنه لا توجد مخالفات على السيارة وطلب مني الإنتظار حتى ينادون علي، ثم نادى موظف الخزينة فدفعت خمس جنيهات (ثمن الشهادة) وطلب مني الإنتظار في الخارج ليعطوني الشهادة فانتظرت حتى نادوا علي وأعطوها لي، ولم يستغرق هذا الأمر كله سوى نصف ساعة أو أكثر بقليل وخمسة جنيهات. 
عدت بالملف إلي مبنى المرور أبحث عما يجب فعله فأخبروني الوقوف على الشباك (نفس الشباك اللي عليه طابور طويل والموظف ماكنش قاعد) ولما جاء دوري أخبرني الموظف أريد أصل التوكيل وصورة بطاقة المالك لأطلع عليهما فالصورة لا تنفع. لم أجد ما افعله سوى العودة من فيصل لبيتي في الظاهر لأحضر أصل التوكيل، فاخذت المترو حتى رمسيس ثم ميكروباصا حتى البيت، وكان الحر قد جعل ملابسي كلها مبتلة عرقا فغسلت وجهي بسرعة وغيرت ملابسي ونزلت وسرت من الظاهر حتى رمسيس ثم أخذت المترو حتى فيصل ووقفت أمامه في الطابور ليأتي دوري ويتفحص الملف ويخبرني أنه لا يجوز التجديد باسم الملك وعلي الذهاب لمرور الوايلي لاجدد الرخصة باسمي أنا. لا داع لشرح مشاعري أو غضبي الشديد أو ألمي الفظيع فبعد كل البهدلة دي يطلع مش ده المرور أصلا؟ فذهبت لشركة التأمين ودفعت عشرون جنيها إضافيا ثمنا لملحق تأميني باسمي أنا وليس اسم الملك السابق. طبعا كان اليوم انتهى فعدت للبيت وأخذت حماما طويلا محاولا تناسي ذلك اليوم البشع. 
في اليوم التالي الاثنين 25/6/2012 أخذت السيارة لمرور الوايلي ولم يكن مزدحما فبدأت اتفاءل قليلا واشتريت ملفا جديدا ووضعت فيه الأوراق، ثم ذهبت للخزينة لشراء ورق فحص وتجديد (بعدما سألت وعرفت)  وذهبت لمهندس الفحص لرفع البصمات، فأخبر العامل برفعها، ثم ذهبت للمهندس الذي أخذ يحدثني عن الانتخابات ثم ملأ استمارة وكتب فيها شرح بيانات السيارة وأخبرني ان اختمها من رئيس الوحدة ثم أذهب لمرور فيصل لأطابق البصمة واختمها من الضابط هناك...
فيصل؟ تاني؟؟ لم أجد ما أفعله ولم أرغب في إضاعة الوقت في النحيب والعويل على الانسانية الضائعة فختمتها من رئيس الوحدة (والحق يقال كان انسان محترم مع إنه نقيب صغير السن وكان الدخول إليه أمرا يسيرا) وأخذت ميكروباص لغمره ثم المترو حتى فيصل ووقفت على شباك المطابقة. ولما جاء دوري أخبرني الموظف أن ابحث عن عسكري اسمه "سيد قطب" تقريبا عشان يجيبلي ملف العربية كي يطابقه، فذهبت ابحث عن العسكري باسمه في الغرفة التي أشار عليها الموظف ولما لم أجده طلبت من عسكري آخر فلم يوافق فقال لي موظف ما ما معناه أنه لن يكترث أحدا لي أو يوافق على تأدية الخدمة بلا مقابل. فقلت له غاضبا وبصوت عالي تقصد محدش بيشتغل غير لو خد رشوة؟ ولما احرجته أجابني بصوت منخفض وانت لازم تقول رشوة يعني هي البلد كدة وكل الموظفين في المرور هنا شغالين كدة.  عدت للموظف على الشباك غاضبا وانتهرته وقلتله أنا مش لاقي العسكري بتاعك ومش هادور على حد ده شغلك أنت، فنظر خلفه ليجد عسكري آخر فقال لي خلي عم جمعة يجيبهولك فلفيت وروحت لعم الجمعة فدخل الارشيف (ارشيف بجد بنفس المنظر المرعب من الملفات المتهالكة بتاع الأفلام) وأحضره فأعطيته خمسة جنيهات نظير مجهودة الفظيع (مضطرا) وعدت للموظف ولم يكن بالشباك سوى شخص واحد كاد ينتهي وقبل أن يأتي دوري وجدت رجلا ثم آخر يمدون أيديهم داخل الشباك كل منهم بملفه متجاهلونني تماما ويتحدثون مع الموظف كأنه يعرفهم أو أخد منهم مصلحة فلم اتمالك نفسي فانفجرت قائلا : هو مش فيه طابور ولا محدش عاوز يحترم النظام؟" أو شئ من هذا القبيل، ليلتفت الموظف ويستأذن منهم أن ينتظروا خلفي فطابق البصمة وختم االورقة وأخبرني أن اختمها من الضابط في الخارج في مبني مواجه للمرور فذهبت وختمتها بسهوله. 


ثم عدت من جديد مسرعا لمرور الوايلي (مترو حتى رمسيس ثم ميكروباصا حتى العباسية)، وذهبت للمهندس فأخذ الورق وقال لي أين السيارة لنفحصها، وبدون أن يفحص شيئا (علما بأن الفحص هو سلامة وبيئة) وجد أعوجاجا في الرفرف الفايبر على الجنب لم أجده أبدا مشكله للسيارة فبدون أن أديرها قال لي سأعطيك شهر سماح لتصلح السيارة ثم تأتي من جديد، ثم ابتسم بطريقة مفاداها أنه لن يمضي ورق الفحص بدون مقابل، فهو اساسا ليس مستعدا للكشف على السيارة لأنه يعلم أنها حديثة ولا توجد بها مشكلة ولكنه لن يمضي الورق بدون أن أدفع له ما طلبه: خمسة جنيهات للعامل اللي أخد البصمة وعشرون جنيها له وعشرة جنيهات لعامل آخر ليفك نمر السيارة.


أخدت كل الورق والنمر القديمة وذهبت للشباك المختص كي أنهي هذا الكابوس بغير رجعة، وبدأ الموظف يراجع الورق ليخبرني بأكثر الكلمات التي لم اقدر على احتمالها: "فين شهادة البيانات؟"  
-  اتفضل؟
- لأ دي بيانات النمر بتاعت النيابة، أنا عاوز شهادة البيانات الكمبيوتر هو اللي قالك تطابق البصمات نسي يقولك؟


لم أجد شيئا أقوله له بل أخذت الملف بعد أن كاد يغمى علي من هول الموقف، أنه أعمق اجزاء الكابوس، شعرت بألم في رأسي وجنبي لم احتمله ورغبه ملحة في القئ أو البكاء أو القئ والبكاء معا ولم اتمالك نفسي ولم تقدر رجلاي على حملي فسارعت للسيارة اجلس فيها وإلا كنت لأجلس على الرصيف محاولا الاستيقاظ من هذا الكابوس. أخذت السيارة وغادرت دون حتى أن أضع النمر المفكوكة ثم ذهبت لعملي بعد أن كان أكثر من نصف اليوم قد ضاع في هذه المهاترات. 


   الثلاثاء 26 يونيو 2012 توجهت مبكرا لمرور فيصل، بدون أي تفاؤل كالسابق، بل بجدية وحيطة وحذر وتأهب، و... اشمئزاز كبير جدا. معي كل أوراق السيارة لاستخراج شهادة البيانات (الورقة الوحيدة الناقصة على حد زعم الموظف المسؤول في مرور الوايلي) وبالرغم من أن ادارة المرور تبدأ عملها الساعة الثامنة والنصف إلا أن الموظف المختص (شريف أفندي) لم يجلس مكانه إلا الساعة التاسعة وعشر دقائق وكان أمامه صفا متوسطا (حوالي 5 أفراد ثم أنا وخلفي حوالي أربعة). انتظرت حوالي ساعة حتى جاء دوري، ببساطة لأنه كان ينتهي من واحد من اللي واقفين في الطابور ثم يذهب إلي مكان ما ليأتي بملفات لأشخاص غير واقفين في الطابور لينهي بضعة منها ثم يكمل ملفات من هم في الصف بمعدل واحد من الصف وملفين من ورا. أخيرا جاء دوري، وأخبرته محاولا التحكم في أعصابي أنني أريد استخراج شهادة بيانات مثبوت فيها مبلغ الضريبة الذي دفعته في مرور فيصل لأقدمه لمرور الوايلي ورجوته ألا يعطل شئ لأنها المرة السادسة التي آتي فيها لمرور لأجدد رخصة سليمة قانونيا ولا يوجد عليها مخالفات أو أية مشكلات وأن ما حدث لي لا يصدقه عقل، فابتسم دون أن ينظر لي وكتب رقم الرخصة على ورقة وقال لي انتظر جانبا حتى يأتوني بملف السيارة، فوقفت جانبا وبدأ الموظف يتعامل مع الشخص التالي أو ينهي ملفا أحضره أحد العساكر إليه كل هذا أمام أعين الجميع، وطبعا المخلصاتية (أو السماسرة) طوال الوقت يدخلون إليه لينهي لهم ملفات لأشخاص غير واقفين في الصف ونرى بأعيننا يدهم يضعونها في جيب الموظف. 

   لم استطع الوقوف جانبا طويلا، فدخلت الصف عنوة متسائلا بحدة: "انت نقلت رقم الملف على ورقة وسيبتها على جنب كدة ومستني الملف يجيلك لواحده؟" فأعطاني الورقة قائلا: "طيب بص روح أنت هاته" أخدت الورقة وكرمشت خمسة جنيه وأديتها لأحد عساكر الأرشيف وطلبت منه يجيب له الملف. العسكري قعد حوالي نصف ساعة يدور مش لاقيه، فأخبرته أنهم استخدموه بالأمس ومن الممكن ألا يكون رجع مكانه، فقال لي أن أذهب لعسكري آخر يعرف أين توضع الملفات التي استخدمت، فذهبت إليه فبحث ولم يجد، فذهبت للأول وسألته: "يعني الملف ضاع؟" قال لي لأ طبعا إزاي يضيع اسأل فلان "الآخر" فذهبت له بغضب: "يعني الملف ضاع مش كدة، طيب أنا طالع دلوقتي لرئيس الوحدة وهاقوله أنك ضيعت الملف" طبعا العسكري خاف وقالي استنى تاني ودخل اختفى شوية كتير كدة وطلع بيه في الآخر وأداه للموظف شريف تاني وأنا رجعت وقفت في الصف من الأول خالص وكان قدامي حوالي خمسة أفراد غير الملفات أياها اللي بتخش من جوه، وصابر المخلصاتي ولا السمسار يطلع يجيب زباين ويدخله. آه نسيت أقول اني لما طلعت أدور على الملف قلت لصابر يدورلي عليه قالي عشرين جنيه فتركته ووتعاملت مع العسكري مباشرة.


   المهم بعد أكتر من ساعة جاء دوري أخيرا، فاعطيته الورق اللي معايا ثم سألني مين قالك تدفع الضريبة؟ قلت له الحافظة أحضرها صابر من هذا المكتب وأخرجها مكتوبه فدفعتها في الخزينة، قاللي صابر مين؟ لأني كنت ألمح له أنه هو الموظف الذي أحضر الحافظة، فقلت له: "صابر اللي واقف وراك ده" فنظر في الورق مبتسما بخجل، وبدأ في العمل على الملف ليخبرني أن هذا الملف بتاع 2011 وهو عاوز ملف 2012. مش عارف أنا عملت أيه بعدها أو قلت أيه بس المهم أنه بروده تحول فجأة وأخذ يعمل على الملف بجد حتى أنتهى وأخبرني أن انتظر وسوف يرسل أحدا ليحضر الملف الآخر. اللي بعده. "طيب أروح أدور عليه بنفسي؟" لأ مالكش دعوة أنا هاجيبة. طيب مين هايجبهولك عشان اتابع معاه؟ "انا هاتصرف" . تركته حوالي ساعة ولا أحد ينادى علي ولا يوجد أثر للملف في أي مكان، فقررت الاستسلام فقد كان الحل الوحيد وخصوصا و أن الموظف المسؤول أكد أنه ليس علي شئ سوى انتظار سماع اسمي. 
  وأثناء الانتظار تجولت في المرور لأجد أن ما حدث لي ليس بظاهرة شيطانية أو كابوس أسود بل هو الطبيعي في ذلك المرور القذر المسمى بمرور فيصل، فهذا رجل عجوز واقفا بالساعات على شباك لا يعرف إلي أين يذهب منتظرا ملفه، وآخر أتي عدة مرات من بلدة أوسيم وآخر من بني سويف لأنهم نسوا أن يعطوهم ورقهم كاملا من أول مرة، وشباك آخر به خناقه، وآخر عليه صف طويل يبحثون عن الموظف، وكم هائل من العساكر وأمناء الشرطة يهرولون في كل مكان ويجرون خلفهم أشخاصا يريدون واسطة سواء كارت من مسؤول أو فلوس.   

   بعد أن قررت الاستسلام التام وعدم الإكتراث واللي يحصل يحصل بقى حتى لو مشيت من غير رخصة خالص لحد ما ربنا يحلها أو يولعوا في المرور ده أصلا، أو حتى يحبسوني مش هاتبقى أصعب من كدة. خرجت أشتري حاجة ساقعة عشان الجو كان فظيع وشربتها وجلست حتى فاتت ساعة تقريبا ثم تسللت لداخل المكتب لألمح ملفي أمام المراجع فتهللت أساريري وخرجت لأراقب الملف من بعيد حتى أنتهى منه المراجع وجاء العسكري ليأخذه ليختمه الضابط وأنا اتعقبه بنظري إلي أن عاود به، ثم نادى على وابتسم ابتسامتهم السخيفة يتاعت "الحلاوة بقى" لكنى شعرت بالاشمئزاز وتماسكت فلم أدفع له شئ وطبع الشهادة واعطاني اياها. لم أصدق أنها معي فراجعتها بعناية "بجد أخيرا ومافيهاش أخطاء؟ ياااااااااااه أخيرا أحمدك يارب بجد معقولة؟ مش هاجي هنا تاني؟ لا لا ما تفرحش قوي استنى لحد ما تخلص كل حاجة وتبقى الرخصة في أيدك وتبيع العربية وتهاجر بره البلد خالص وما ترجعش مصر تاني أبدا ساعتها بس هارتاح وأحس ان المهمة تمت بنجاح ويختفي شبح مرور فيصل إلي الأبد"  

   كنت أرغب في الذهاب لمرور الوايلي ولكن الوقت كان قد تأخر جدا فشككت أن ألحقه لأني أعلم أن الخزينة تغلق الساعة الثانية ظهرا وهي الآن الثانية عشرة والنصف لذا قررت الذهاب في يوم آخر ولكن قبل أن تنتهي صلاحية شهادة المخالفات (15 يوم ابتداء من يوم الأثنين)    




وجاء اليوم التالي الأربعاء 27 يونيو 2012: 

   المفروض كدة كل حاجة تمام والملف كمل خلاص ومش فاضل غير أني أقدمه لمرور الوايلي واستخرج الرخصة. ونظرا لأنني لم استتطع التغيب عن عملي في هذا اليوم تحديدا وإحتمالية السفر الأسبوع القادم خارج مصر في مأمورية عمل تطوعت والدتي وهي محامية على المعاش عمرها 64 عاما أن تقدم الملف نيابة عني وتستلم الرخصة، ففعلا قابلتها في الصباح وأعطتيتها الملف كله واللوحات المعدنية القديمة وذهبت هي للمرور وأنا لعملي.
   
   كعادة والدتي وصلت المرور باكرا (أي في الثامنة والنصف) وذهبت لعملي لأجدها تهاتفني حوالي الساعة العاشرة صباحا تخبرني بضرورة وجود السيارة فاستغرت الطلب بأي منطق يريدون السيارة فهم يأخذون اللوحات على شباك ويعطوها الآخرى من شباك آخر أيضا. بالرغم من ذهابها للضابط رئيس الوحدة إلا أن أحدا لم يستجب واشترطوا وجود السيارة، فأضررت أن اترك عملي وأذهب للبيت وأخضر السيارة وأذهب للمرور.

   لاحظ عزيزي القارئ أن السيارة لا تحمل نمرا وأنا أسير بدون لوحات معدنية ولا رخصة ولا أي شئ قانوني يثبت حيازتي للسيارة أو ملكيتها أو تعريفها. لن أخوض في تفاصيل المغامرة السخيفة والمجازفة في السير في شوارع رئيسية بدون لوحات فيتحول كل  أمين شرطة أو عسكري أقابله إلي إحتمالية ولو ضئيلة لإيقافي وانساب العديد من المخالفات لي منها ما يعاقب عليها القانون بالحبس، ولكني سأخوض في فكرة أن أحدا لم يبالي أساسا لا عسكري ولا أمين ولا ضابط، هؤلاء الذين يتعنتون ويتعسفون في استخراج الأوراق القانونية لا يكترثون إن رآوا سيارة تسير بدون أوراق ملكية... أي أمة هذة التي تنبذ الحق وتجهضه وتشجع الفساد وتعطيه مشروعيته (كبار المسئولين لا يحركهم النظام بل المحسوبية والواسطة والكارت والتأشيرة والهدية، والموظفين لا يبتسمون سوى للجنيه أما لعملهم وواجبهم فيعبثون وجوههم ويتعصبون أو لا يبالون مؤدين دورهم بتكبر واستعلاء).

   المهم ذهبت للمرور وقابلت والدتي لأعلم منها الآتي: انها دفعت ضريبة رفاهية بدون وجه حق لأن المرور يدعي أنني أملك سيارة أخرى علما بأنني قد قمت ببيعها منذ عامين أو أكثر ولكنهم يريدون أن أثبت لهم ذلك بأوراق لا احتفظ بها نظرا لأنه أمر قديم وانتهى. ثانيا قامت بدفع ضريبة أخرى مقدارها 225 جنيها مقابل اللوحات المعدنية الجديدة، لا أعلم ما وجه حقها ألم يأخذوا القديمة بدون مقابل فلماذا أدفع مقابل اللوحات الجديدة؟ وهل أنا الذي أرغب في تغيير اللوحات حتى أدفع أم هو نظامهم هم؟؟المهم لم يكن مع والدتي وقتها ما يكمل المبلغ فتوفيرا للوقت عادت للبيت وأتت بباقي الملبغ ثم عاددت للمرور لاستكمال الإجراءات.
   أخبرتني أيضا أنها رأت الموظف يتغاضى عن أخذ ضريبة الرفاهية من أحد الأشخاص مقابل رشوة علما بأن هذا الشخص قد يكون مالكا فعلا لسيارة آخرى في نفس الوقت... لا داع للتعليق.
   بعد الانتظار نادوا على اسمى فأخذت الرخصة أخيرا...
   لم أتمالك نفسي من الفرحة فكأنها شهادة تخرج مثلا أو عفو من عقوبة أو شئ من هذا القبيل إلا أن الفرحة بالطبع لم تدم فبقراءتي لها وجدت أنها ليست رخصة بل تصريح مؤقت سينتهي بعد ثلاثة شهور. ذهبت للموظفة اسألها فقد يكون خطأ لتخبرني أن هذا هو النظام لمن ينقلون ملكية السيارة حتى يأتون بملفها من المرور القديم.. مرور فيصل ... تاني!!!!
   لم أجد شيئا أقوم به سوى الاستسلام تماما عاقدا العزم على بيع هذه السيارة في أقرب فرصة وعدم التفكير في شراء سيارة بل العمل على ترك تلك المنظومة الملقبة ظلما دولة.
   أخذت اللوحات المعدنية والتي لم تركب مجانا بالطبع أو مقابل كل تلك المبالغ المهولة التي أخذوها بل أضطررت لدفع عشرة جنيهات مقبل فكها وتركيبها من العامل المسؤول والذي أبدى بإمتعاضه إنه لا يعمل ذلك بدون الحلاوة... يا حلاااااااااوة. 



نعدهم بقى كام مرة عشان مش معايا واسطة: 
الاثنين 18 يونية : مرة واحدة
الاحد 24 يونية:  مرتان
الاثنين 25 يونية:  3 مرات
الثلاثاء 26 يونية: مرة واحدة
الأربعاء: 3 مرات (والدتي ذهبت مرتين وأنا ذهبت بالسيارة مرة واحدة) 
بعد ثلاث شهور: مرة لاستلام الرخصة


المجموع: 11 مرة




No comments:

Post a Comment

I said what I thought, if you have something you want to say, be my guest