مسرحية: مفاعل شيخ نوفل


مسرحية :
مفاعل شيخ نوفل


مقدمة

       في ضوء الاتجاه الحالي لانشاء مفاعلات نووية تصبح بديلا لمصادر الطاقة الحالية ، وتساعد على تطوير مجتمعنا ، وموازنة طاقتنا مع عددنا الكبير واحتياجاتنا واستهلاكنا ، يجب ان يواكب ذلك البديل بديلا او قل تطويرا في اسلوب ونمط حياتنا حتى يتواكب مع التطور الجذري المزمعين عليه ومع ظروفنا الاجتماعية والنفسية والبيئية وحتى على المستوى الشخصي .
 لقد عشنا الاف السنين وشهدنا تطورات وحضارات كثيرة ، ومع كل حضارة على مستوى الدولة يجب ان تواكبها حضارة على المستوي الاجتماعي واخرى على المستوي الشخصي ، لذا يجب ان نعيد النظر في مساله بناء حضارتنا لا التاريخية ولا العالمية بل حضارتنا وتطورنا الاجتماعي والنفسي .
بعد زيادتنا الهائلة اصبحا في حاجة ماسة الي ان نتطور على عدة مستويات اهم بكثير من نوعية التطور الذي يؤّمن مصادر طعامنا وشرابنا وملبسنا . بلا شك ان تأمين حاجاتنا الاولية مهم جدا ، بل وفي المرتبة الاولى من  اولوياتنا ، ولكن ، هناك معايير تقدم اخرى يجب النظر في شأنها لتواكب ذلك التطور المتطرد ، بجانب اهتمامنا بتأمين احتياجاتنا الاولية . واهم تلك الاشياء التي يجب مراعاتها وخصوصا في مجتمعنا المصري ‘ هي تغيير نظرتنا لمجتمعنا من اعتباره اسره كبيره او عائلة ضخمة الي كونه ببساطه : " دوله " ، فهو ليس عائلة بل دوله . وكلمة دوله تحمل في طياتها العديد من المفاهيم والانظمة التي تساعد على بقاء ذلك المجتمع ، او بالادق بقائه سالما معافي . فتعاملنا على اساس اننا اسرة او عائلة واحدة شئ جميل وعظيم ولكن على المستوى الاخلاقي اوالديني او الشخصي  ، ولكنه مدمر على صعيد التنمية الدولية . فمن يملك منصبا قويا او خطرا او حساسا ... الخ  في اي جهاز من اجهزة الدولة يجب ان يحمل في طياته الاحساس بالمسئولية تجاه ذلك النظام الذي يشكل جزء منه و يتحمل مسئولياته واعبائه والتزاماته ، فلا يستغله لمصالح شخصية او اهواء او اجتماعيات فردية . فلا يكون عقل باله كمن يقول : انا في بيتي اعمل اللي انا عاوزه ، رئيسي هو ابويا مستحيل يضرني ، معارفي هم اقاربي واجبي ان استغل منصبي لاساعدهم " وهكذا . لقد اعتدنا على هذه النغمة ومازلنا نسمعها حتى الان في كل مكان ، ويكفي تأمل اي عربة فول في اي شارع لتجد الحرامي واقفا يشارك طبق الفول مع العسكري ، او المدير الذي يترك مكتبه حتى لا تفوته صلاه الجماعة ، او الموظف الذي يطلب السماح من العميل لان المسكين صائم او معرفش ينام بالليل او عنده ظروف ، او البائع الذي يحرم الناس من خدماته (واجباته) لانه ياخذ يوم الاحد اجازه ، او سائق الاتوبيس الذي يعتبره سيارته الملاكي فلا يراعي من يركبون حوله فيصم اذانهم بشرائطه و تسجيلاته ، او سائق الاجره الذي يشترط ويحدد الاماكن التي يذهب اليها ويمتنع عن الاماكن التي يريدها الراكبون وعند دفع الاجره يخبرهم ببرود : "انتوا فاكرينه ميكروباص ؟"  ، والامثله ليست في حاجة الي حصر بل فقط الي تأمل . نحن في مرحلة خطرة ويجب ان نقول ستوب ، لنتوقف عند هذا الحد وننظر الي انفسنا ، لقد اصبحنا اكبر بكثير من ان نكون اسرة واحدة ، اننا  دولة لا تقبل المحاباة ولا الوساطة ولا التفرقة ، بل هناك انظمة وقوانين ، ثواب وعقاب ، رتب ومنازل، كل بحسب دوره الذي يؤديه في مركزه ، لا من اجل شعارات جوفاء ، لا من اجل حب الوطن ، او المواطنه ، او الانتماء ، بل ببساطه لانه العمل او الدور الذي قبله صاحبه ، عمله الذي يشكل به كيان دولته ويتحكم به في صورتها وتقدم شعبها ومصير ابنائها.

ولنعتبر تلك المسرحية الصغيره تحذيرا رمزيا لما يمكن ان يحدث لنا اذا استمرينا في نمط حياتنا هذا .

















مسرحية : مفاعل الشيخ نوفل


    
تاليف : مينا عدلي يونان
بتاريخ : 10- 2006



المكان : غرفة مربعة متساوية الاضلاع ، مساحتها كبيرة ، تتوسطها ترابيزه سفرة كبيرة ( بل طويلة ) تمتد من اول الغرفه لاخرها . وتمتلئ بجميع انواع الاطعمة الفاخرة وبكميات كبيرة ، وخصوصا اللحوم ( بجميع ) انواعها . ويجلس في وسط الترابيزة ( ليس في الوسط بالظبط بل في وسط النصف العلوي ، ولكنه يظهر للعيان كما لو كان في الوسط ) رب الاسرة وهو رجل في السبعينيات من عمره ، وسيم ، ممتلئ قليلا ، تظهر على وجهه علامات الصرامة والابوه الحانية في نفس الوقت . ومن حوله على طول الترابيزه العديد من الافراد يأكلون ، ويتكلمون ، كل في واد ، وكل جماعه صغيره في واد ، وكل جماعه كبيره منهم في واد ، وفي نفس الوقت كلهم في واد . وبالرغم من ان عددهم يفوق عدد الاماكن المتاحة على الترابيزة الا ان باقي الحجرة ( الواسعة ) يكاد يكون مهجورا .

-       رب الاسرة ( الاب ) مقاطعا الاحاديث الجانبية للجميع  : احنا بقينا كتير قوي ومحتاجين نزود مصادرنا للطاقه .....  ايه رأيكم يا ولاد لو عملنا مفاعل نووي ؟
-       الكل يصفق وافواههم مليئة بالطعام : هيــــــــــــه هيــــه

" ديموقراطيه "

 ولد لابس بدله ونظاره قعر كوبايه وقاعد يشرب كوبايه شاي ويسقي فيها بقسماط بالسمسم ( في حين الجميع يأكلون لحمة وخضروات وفته وصواني وحلويات .. )
يقول : بس .. يا بابا المفاعل ده عاوز ناس فاضيه ، وانت عارف احنا مش بتوع مسئوليه .

يبتسم الاب ولا يرد ، اما الباقين فيصرخون في وجهه ويشوحون بأيديهم في وجهه ( انت في ايه يا عم ) ولكن بدون ان تخرج من افواههم كلمات ( جمل ) مفهومة ، ثم ينتهره احد الاعمام الكبار ( واضح من مظهره ) : بس يا "زهير" انت لسه عيل  مش فاهم حاجة ، ولما الكبار يتكلموا انت تتنيل تسكت فاهم يا حمار ، اتفضل خش اودتك ( غرفتك ) يالا ، وملكش عشاء انهارده .

يدبدب "زهير" على الارض ويدخل غرفته ويغلق الباب ، ويعود جو المرح والاكل مرة أخرى .


،،، بعد يومين اتنين ،،،


الكل جالس على السفره يأكل والأب على رأس السفرة يأكل والجميع يتسامرون ويتكلمون ، ويلعبون بالطعام .

 - ينظر الاب الي سيدة وقور تشبه ربات المنازل التقليديات ( الامهات الوقورات المحترمات ) – ولكن الغير متعلمات – ثم يقول لها ضاحكا :  ازاي الولاد في المذاكرة ؟

- ترد عليه : الحمد لله 
- الاب : يعني مستواهم اخباره ايه ؟
- ترد عليه : ادينا حفظناهم تاريخ العيله ، ودلوقتي بنعلمهم الطبيخ .

- الاب (حالما) : بقولك ايه ، عاوزك تعلميهم حاجات ليها علاقه بالطاقه واستخداماتها عشان يشغلولنا الجهاز الجديد اللي هنشتريه

- ترد عليه ( بلهجة زوجات الحاج متولي ) : من عنيا الاتنين يا حاج .

-       ثم تهمس في اذن سيده بجوارها : تقولش انا عارفه كل حاجة يعني !؟  

ثم يأتي مجموعة من الاولاد ويلعبون بالكرة من حولهم ، وفي يد كل منهم سندوتش ( لحمة ) ويعملون ضوضاء عالية تغطي على ثرثرة احاديث الجالسين، فينتهرهم الاب : بطل دوشه ياض منك له له .
-       يرد عليه كبيرهم : يعني يا بابا نلعب فين ؟
-       الاب : روح شوفلك اي حته ... العبوا في المنور ولا في اي اوده فاضيه .

 ينظر الاولاد ( في رعب شديد ) بعضهم لبعض ، ويعجزون عن النطق برهه الي ان يتفوه اصغرهم و الدموع تملا وجهه : احنا يا بابا نخاف نلعب بعيد عنكوا .
-       طفل اخر من الفريق : و اشمعنا تخلينا احنا اللي نروح في اوده فاضيه وكلكوا قاعدين هنا ، بتاكلوا هنا وبتناموا هنا ، وبتذاكروا هنا ، ده حتى جدو وتيتا مدفونين هنا تحت الترابيزة .
-       يرد الاب بحنية : خلاص يا حبايبى انا هاريحكم
ثم يخبط بالملعقه على كوب فارغ ( سكوت من فضلكم ) : يا جماعة ، علشان خاطر الاولاد يعرفوا يلعبوا قررنا اشيل المكتبه وافضلهم مكانها يلعبوا فيه كووورة .
الكل يصرخ ويصفق كالعاده وفاهم ملئ بالطعام : هيـــــــــه .

باستثناء اثنان يجلسان على السفره يرتديان بيجامتين نفس اللون ونظارتين ، ومنهمكان في الكتابه او المذاكرة ، يلتفتان فور اعلان القرار ، ويلقي احدهم بالقلم الذي معه والاوراق التي يكتب فيها ويصرخ مع الجميع : هيــــه . اما الاخر فينظر في حزن الي الاب ، ويتساقط الطعام من فمه في بلاهه ثم يعاود مره اخرى ينكب على ما كان يكتبه .


،،، بعد يومين ،،،


الجميع حول الترابيزة يأكلون ( كالعادة ) ، اصوات زغاريد من احد جوانب الترابيزة ، احد السيدات المزغردات : بنتك ولدت يا شيخ ، بنتك ولدت ، لووووولووولولولوولووولوووووووووووووولي .

-       يبتسم الاب ابتسامه لا معنى لها : مبروك مبروك جابت ايه ؟
-       السيدة : خمسة وخميسة في عين العدو
-       يرد مسرعا كمن صعق : خمسة توأم
-       السيدة : لا يا خويا بقولك خمسة وخميـــــــسة ، خمسة ولاد وخمسة بنات .
-       يرد الاب وقد شحب وجهه ولكن الابتسامه لم تفارقه : جابت عشرة في بطن واحده ؟!!! ليه كدة !!! انا مش قلت تحددوا النسل شوية !!!!؟

تقوم احد السيدات من تحت احد الكراسي وتسير في اتجاه الاب ( وواضح من طريقة سيرها انها هي من ولدت للتو ) : في ايه يا راجل ، ما كل بناتك والدين بالدستة والاتنين ، (( اشمعنا انا )) وكمان ما هو الخير كتير و مغرق الترابيزه  .

-       الاب ( مستسلما ) : ماشي يا ستي ، حقك عليا والف مبروك ، هاتولها عشر كراسي و احشروهم وسطينا .
تذغرد السيدة و تشكره : ربنا يخليك لينا يا شيخ ويطول عمرك .


،،، بعد شهر ،،،

نفس المنظر،
 باستثناء تضاعف العدد والطعام ،
الكل يأكلون ، والغرفة ازدادت قذاره

-       الاب : ما تيجوا انهارده نمسح ( ننظف ) مكاننا ؟
-       الجميع باستياء ( وهم يمضغون الطعام ) : ي ي ي ي ي ي ي ي ي
-       الاب : ما هو برضه المكان بقى قذر خالص .
-       احد الظرفاء يهمس في اذن من بجواره : يعني وسخ ، ها اها هاا ها هاهاها
-        الاب ( يكمل حديثه ) : انا من كام يوم كده كنت بازور جارنا اللي في الشقة اللي جنبنا ، اصله كان مركب دش وعاوز يفرجهوني ، وعيني مصدقتش الجمال اللي شافته في شقته . ديكورات ايه ، ونظافه ايه ، واجهزة ايه ، ده كفايه الساوند سيستم اللي مركبينه .
-       احد السيدات ( بدلال زوجات سي السيد ) : وياترى اكلهم حلو كده زي اكلنا ؟
-        الكل مترقب الاجابه ، كمن ينتظر سماع نتيجته في الثانوية العامة .
-       الاب ( مقهقها ): والله ... من ناحية الاكل احنا احلى .

 ،، اصوات تصفيق و زغاريد وغناء ،،،

-       يكمل الاب مقاطعا التهليل : بس هم اكلهم صحي اكتر ومفيد اكتر وبيدي طاقه اكتر ، ( ثم ينظر الي احد السيدات الممتلئات شحما ولحما وذهبا وفضه ) : و مش بيحطوه جنب سم الصراصير زي ناس ( تنظر اليه السيده بخجل دون ان تتكلم )
-       يكمل الاب : كل شئ عندهم منظم ، وليه مكانه ، مفيش حاجة مش عندهم ،، ...... ( ثم يصمت قليلا كمن يسترجع ذاكرته ) ثم يعاود بابتسامة كبيرة : بس معندهمش ترابيزه سفرة ،،، تصدقوا !!!!!!!!

-       ( الكل في استغراب وعدم تصديق ) : ياااااااه مش ممكن في حد كدة ، يا حرااام

-       احد الشخصيات : امال بياكلوا مع بعض فين

-       الاب : مش بياكلوا مع بعض ، كل اسره صغيرة بتاكل في اوضه ( غرفه ) لوحدها .

-       السيده التي ولدت العشرة ( بغرابه شديدة ) : ايه ده ؟ هم عندهم غرفه لكوووول اسره ؟!!!!!! ده على كدة شقتهم اكبر مننا 100 مرة .

-       الاب : لا والله دي اصغر من شقتنا 100 مرة .

-       الكل في لا مبالاه يرتشف الشاي ، احد المساطيل يخرج دخانا من فمه يعبئ به الغرفه ويقول : ويا ترى عندهم مزاج زيننا ،، هي هي هيهيهيهيهي  



،،،، بعد قليل ،،،،

يضرب جرس التليفون ،
يرد الاب ، يتكلم قليلا ، ثم يغلق السماعة ،

- الاب : اسمعوا اخر خبر ، المفاعل هايجيلنا بعد اسبوع
- الكل : هيــــه

،،،،،

احد الاولاد ينظر الي احدي الفتيات في الجهه المقابلة من الترابيزة ، وتنظر هي اليه ، يلتفت احد الرجال الكبار اليهما ، فيزجرهما بعينيه ، فينصرف نظرهما عن بعض خوفا ، يحاول الولد ان يكلم الفتاه ولكنه ( يخاف ) ان يراه احد فيكتب لها رساله ويمررها لها على احد الاطباق ، تقرأها ، ثم يتبادل الاثنان اللمسات بالارجل من تحت الترابيزة ( دون ان يعلم احد ) .


،،، يرن التليفون مرة اخرى ،،،
يرد الاب ، يتكلم قليلا ، ثم يغلق السماعة

-       مين
-       الاب : ده واحد من جيراننا بيسلم عليا
-       ده غير اللي كلمتنا عن شقته ؟
-       الاب : ده واحد تاني ، ساكن في الدور الاخير ، بس شقته ايه بقى ، حكااااااااية ،، قصر جوه الشقه ،، تصدقوا ان عنده في شقته مكتبه اكبر من سفرتنا دي كلها ؟!!
-       وااااااااو
-       الاب : خلينا في موضوعنا ، مين هاينظف المكان بتاعنا ؟
-       احد السيدات السمينات : طب ما اقولك يا شيخ ، ما تجيب البواب وعياله ينظفولنا الشقه ...
-       الاب : بس دول مش هاينظفوها ببلاش ، واحنا مش معانا فلوس
-       احد الرجال : ابقى اجرلهم كام متر من عندنا ، حته كدة ما نكونش بنقعد فيها ،
-       الاب : فكره برضه ، اهي مش هاتكلفنا حاجة .
-       رجل اخر : بس اهم حاجه ،، ان الايجار يكون قانون جديد مش قانون قديم ، عشان منعملش مشاكل مع الورثة ، و يبقى شكلنا وحش في العمارة .
-       احد السيدات : خلاص اتفقنا ، هانخلي البواب وعياله ينظفوا الشقة

،،
 احد البنات تهمس في اذن البنت التي كانت تحاول ان تكلم الولد : انتي عارفه ان بنات البواب كلهم عندهم  ( بوي فريندز ) ؟؟؟؟
-       البنت ( مصعوقه ) : بنات البواب ؟؟؟؟


،،، بعد يومين ،،،
الكل جالس ( نفس المنظر )

-       الاب : هو مفيش فراخ كتير ليه انهارده ؟
-       سيدة : اصلي الواد الفرارجي ما جابش فراخ بقاله كام يوم ، ناس بتقول انه مات  
-       الاب : طب ما حدش نزل يشتري ليه من اي محل ؟
-       السيدة : ما انت عارف ولادك يا شيخ ، تنابله السلطان

(سكوت ) ( الكل يفكر )

-       زهير : ايه رأيك يا بابا لو ربينا فراخ في البلكونة ؟

-       الاب : والله فكرة ، (طول عمري ) بقول عليك واد ذكي .

-       احد الاعمام : بس احنا منعرفش يتربوا ازاي ؟
-       الاب : ولا يهمكم ، احنا نخلي حد من الجيران يعلمنا . ( ثم يلتفت لزهير صاحب الفكرة ) : واد يا زهير ، عاوزك تروح عند جيراننا ، وتسألهم بيربوا الفراخ ازاي .. وتيجي تاني تعمل عندنا زيهم .

-       زهير ( في فرح غامر ) : شكرا يا بابا ... شكرا شكرا .... ( ثم يخرج مسرعا من الباب )

-       الكل في تذمر :  اشمعنا هو ... اشمعنا هو

،،، بعد اسبوع ،،،

ليلا ، الكل نائم على السفرة ، والطعام امامهم ، في ايديهم ، وفي افواههم ،،
يدق جرس الباب ، لا احد يفتح ،
يدق مرة اخرى ، يقوم احدهم بصعوبه وكسل شديد وعيناه مازالتا مغمضتين ، ليفتح الباب ،
يجد على الباب رجلا يرتدي بدله بيضاء ومعه سيده جميله ترتدي تايير احمر ميني جيب ، ومعهم صندوق كبير : احنا جبنالكم المفاعل اللي طلبتوه .
ياخذه منهم ، يضعه على الارض ، ويذهب ليكمل نومه ،
وقبل ان يذهب تقول له السيده : مش هاتحتاجوا نبعت لكم  واحد يعلمكم تستعملوه ازاي ؟

-       لا طبعا ، شكرا
-       طب خذ الكتالوج
ياخذ الكتالوج ، يغلق الباب ، ويكمل نومه .


،،، في الصباح ،،،
  
الجهاز على الترابيزة في وسط الجميع ،،
الكل ينظر اليه في بلاهه ،،
الاب يتصفح الكتالوج في ذهول ،، يحاول ان يقرأه من جميع الجهات ، لكنه يفشل ،
-       يا جماعة ، حد فيكم يعرف يفك رموز الكتالوج ده ؟
-       الكل في لا مبالاه ( وهم يأكلون ) : لا يا شيخ
-       الاب ( يسرع الي الهاتف ) : الوو ، ايوه يا ريس ، ايه اخبارك ، عامل ايه ، وازاي المدام ، والعيال ، اه ، كنت بسأل بس ازاي نشغل الجهاز بتاعكوا ، و الكتالوج مش عارفين نقراه .
-       يسكت الاب مستمعا للطرف الاخر ، ( ويظهر ان الطرف الاخر بيشرحله ازاي يشغل الجهاز ) ، تتحول علامات وجه الاب الي البلاهة ، وتزداد كلما استمر الطرف الاخر على الهاتف في الشرح ، يقاطعه الاب : مش فاهم حاجه ، لا لا ما تبعتش حد انت عشان الجماعة ما بيحبوش حد غريب يدخل البيت ، انا هابعتلك واحد من العيال لو تسمح ،، ..... انا متشكر خالص ، ربنا ما يحرمناش منك ، سلام .


-       الاب الي سيدة التعليم : ايه اخبار ولادنا اللي بتعلميهم ازاي يشغلوا الجهاز ؟
-       السيدة : زي الفل بحسك يا شيخ ،، ( ثم تنادي الاولاد ) : تعالى يا واد منك له له ليها .

يأتي مجموعة من الاولاد والبنات ، وعلى ظهورهم شنط كبيرة ، ثقيله ، تغطي ظهورهم ،

-       الاب : واضح انهم اتعلموا ( جامد قوي ) الشنطة معبرة ( ولا معبية ) هاهاها

يجلس الاولاد امام الاب ، وامامهم الجهاز ، الاب : يلا شغلوه

 - ينظرون الي الجهاز في بلاهه ( ايه الخلاط الغريب ده ) : منعرفش

-       الاب (بضيق) :  امال كنتم بتتعلموا ايه ؟
-        يخرج احدهم من شنطته حجرا ضخما املسا وعليه كتابات بالهيروغليفيه و صور للانسان الاول وهو يشعل النار ، والعنوان من فوقه : (تاريخ) الطاقة .


-       الاب في استياء ينظر للسيدة المربية : " تاريخ الطاقة ! بتعلميهم حاجة بقالها مليون سنة ؟ "
-       السيدة : لا يا خويا ما هو الكتاب جايب الحدوتة من اولها لأخرها
-       الاب وقد احولت عيناه : حدوته !!!
-       تأخذ السيدة لوح الحجارة من الولد و تقلبه وتشير الي اخر سطر فيه وتريه للاب فيقرأ المكتوب فيه بصوت مسموع : " واخيرا عرف الانسان ان الطاقة يمكن ان تتولد من البخار "
-       الاب ( وقد بدا انه فقد اعصابه لولا ابتسامته التي لم تفارق وجهه يوما ) : البخااااااااار ؟ اخيراااااااا ؟؟ أنت متأكدة ان ده اخر سطر في اللوح  ؟
-       احد المساطيل : اللوح ،، هاهاها
-       السيدة (تكمل) : ايوة يا خويا
-       الاب : خلاص مفيش حل غير اني ابعت حد يروح يتعلم عند جيراننا

-       احد البنات التي كانت مع مجموعة الاولاد المتعلمين : ممكن اروح ؟   

-       الاب ( في غضب وحنان ابويان ممتزجان امتزاجا لا مثيل له ) : لا يا حبيبتي ، انت بنت ، عيب تخرجي وعندنا رجاله ( ثم يشير الي احد الاولاد ) : اجري على جيراننا اللي في اخر دور اسألهم نشغله ازاي ، ولو عندهم حد يترجملنا الكتالوج خليهم يترجموه بالمره

-       الولد : شكرا يا بابا شكرا شكرا ، انا بحبك جدا ( ثم ينطلق مسرعا من الباب كالطلقة )

-       الجميع : اشمعنا هو اشمعنا هو  ( وتبكي البنت منهارة ثم تذهب بعيدا )


،،، يمر اسبوع ،،،

الكل يأكل والجهاز مازال يتوسط الترابيزة في هيبة وشموخ

،، بعد اسبوعين ،،،

مازالوا يأكلون ،، ولكن لم تعد للجهاز هيبة ولا شموخ ، فقد استغلوه لوضع صواني اللحم فوقه


،، بعد شهر ،،،
   
مازالوا يأكلون ، وقد اختفي الجهاز كجهاز واصبح جزءا من الترابيزه

-       احد الاطفال : احنا اتوحشنا الفراخ قوي
-       سيدة بجواره مخاطبة الاب  : امال يا خويا الواد زهير اخباره ايه ؟
-       الاب : انتم ماسمعتوش اخر اخبار الواد زهير ؟  
-       ماله
-       الاب : كلمني من كام يوم ، وبيعتذر انه مش هايقدر يجي
-       ليه ؟
-       الاب : بيقول انه من ساعة ما شاف مكتبه الجيران ، قرر يقعد عندهم على طول ، وخصوصا انهم معجبين به جدا ، ومش مخلينه عاوز اي حاجه
-       احد الرجال (وهو ياكل) : على ايه يعني ؟
-       الاب : ده عمل لهم مزرعة فراخ كاملة في البلكونة بتاعتهم بتنتجلهم بيض وفراخ كل يوم ،  وبيفضل منهم زياده كمان تأكل العمارة كلها ، و قاللي كمان انه هايحاول يقنعهم يشحتونا فراخ من اللي بتزيد عندهم .
-       الكل ( يهتفون ويصفقون ) : هيــــــــــــه
-       احد  البنات ( مستفهمة ) : طيب هو ماجاش يزورنا ليه ولا مرة ، حتى كان علمنا الطريقة وسابنا بعدها ؟!
-       البنت اللي جنبها : ممكن يكون جه وخبط على الباب واحنا مفتحنالهوش ، عادي يعني .

سكوت ، الكل يأكل ، يدق جرس الباب ،

-       الاب ( مسرعا الي الباب ) : ده تلاقيه الواد زهير

يدخل رجل ومعه بعض الاوراق والمستندات : سلامه عليكم ، ازيك يا شيخ نوفل وازاي العائلة الكريمة ، جايلك جواب من شركة الكهرباء بيقولولك انك مديون لهم بعشر فواتير كهرباء ما ادفعوش ، وبيقولولك لو مسددتش على الاقل نصف اللي عليك هايقطعوا عنكم النور .

-       الاب ( مبتسما كالعادة ) : لا ولا يهمني ، احنا كلها كام يوم والواد اللي بعته يتعلم تشغيله المفاعل النووي يرجع ومش هنحتاج من شركة الكهرباء حاجة تاني .
-       البوستجي : ايه ده انت معرفتش ؟
-       الاب : ايه ؟
-       البوستجي : اصل انا قريت في مجله الحي ان الواد ابنك اللي انت بعته يتعلم تشغيله الجهاز ، اخترع جهاز احدث منه والجيران طايرين بيه طير ، وادوله اوضه ليه لوحده يخترع فيها براحته ، وجابوله احدث الكتب ، دول كمان جوزوه بنتهم ، زي القمر والله يا شيخ .
-       الاب ( في حزن وقد اختفت الابتسامة لاول مرة من وجهه ) : يعني هو كمان مش هايرجع ؟
-       البوستجي : طيب انا هامشي بقى عندي شغل كتير .

،، يخرج البوستجي ، يغلق الاب الباب ، يعود الي الترابيزه ، يجلس مكانه
،، حاله من البؤس والقلق على وجوه الجميع ، ولكنهم مازالوا يأكلون ،،

-       يحضر الاب تليفونا ، يطلب عدة ارقام ويتكلم : الوو ، ازيك يا واد ، عامل ايه ، بقى كدة تسيبنا محتاسين ومش عارفين نشغل الجهاز ، وتروح تخترع للجيران جهاز احسن منه ، اخس عليك
-        ( يستمع الاب للطرف الاخر ، علامات الضيق والقلق تظهر على وجه الاب ) ثم يتكلم : يعني الجهاز ماله ؟  (سكوت)  اه اه فاهم ، طب دلوقتي نعمل ايه ، ايه الحل ؟؟ ،، الو الو الوووووووووووو

وفجأة تنقطع الكهرباء عن الشقة كلها ويعم الظلام كافه ارجاء الشقة

-       الاب ( يضع التليفون جانبا ) : واضح ان النور اتقطع .
-       احد الاصوات ( وقد اضئ نور شمعة على وجه صاحب الصوت ) : ايه رأيك بقى يا شيخ ؟ اهي الشمعة دي هاتنورلنا الشقة .
-       الاب ( فرحا ) : تسلم ايدك
-       الصوت في سعادة : انت عارف يا شيخ اننا اول ناس في العمارة يستخدموا الشمع في الاضائة قبل ما يبقى فيه كهرباء وقبل ما يعرفوا يعني ايه طاقه من اساسه ؟!
-       الاب : طبعا طبعا ،، احنا لينا تاريخ عظيم في العمارة


،،، اصوات من كل مكان ،،،،

-       الدنيا حر قوي
-       المراوح مش شغاله
-       افتحوا الشبابيك
-       انا هافتح الشباك

،،، يدخل الهواء من الشباك ، وينطفئ ضوء الشمعة

-       الاب : عاجبكم كدة ؟ ايه الحل دلوقتي ؟
-       صوت : احنا نحاول نشغل المفاعل ، هو ده الحل الوحيد .
-       صوت سيدة : فكرة يا شيخ ، سمي انت كدة ، وخليها عالبركة ، ما احنا كل حاجة بنعملها بالبركة .


،، الكل يقف من مكانه ويلتفون حول الجهاز ، وتمتد الايادي كلها اليه في الظلام
،،،،
،،، ،،،
،،
 وفجأة ،،،،

بوووووووووووووووووووووووووم

-       يالهوي
-       حريقة
-       اجري ياض منك له
-       اخرجوا بسرعة


،،، يخرج الجميع من الشقة ومن العمارة ، ويقفون في الشارع
، يرفع الجميع رؤوسهم الي الشقة التي في وسط العمارة ،  يتأملون السنه النيران تخرج من شبابيكها ،

وفجأة ،، ينهار الاب ، ويبكي ،

-       تربت على كتفه احد السيدات وقد ارتسمت على وجهها امارات الحنية والامومة : ماتزعلش يا شيخ نوفل ، هو يعني فيه ايه فوق نخاف عليه؟
                 
-       ينظر اليها الاب وقد عادت ابتسامته المألوفه الي وجهه مرة اخرى : مفيش غير الاكل ....

( سكوت )

تمت

No comments:

Post a Comment

I said what I thought, if you have something you want to say, be my guest