Wednesday, May 4, 2011

تعلمت من الموت معنى الحياة

لطالما فكرت في الموت، وتأملته، واستغربته، وفي أحيان كثيرة كنت أخاف منه، ولكني في النهاية كنت استسلم لحتميته، وإن صدق القول، فهو الحقيقة الوحيدة في حياتنا. 
الموت... لا تكفيه كتبا وأبحاثا لنفهمه
الموت... هو المفتاح السري لكشف كافة ألغاز الحياة
الموت... هو التجربة المشتركة لكل ما هو حي
الموت... لولاه لما صارت حياة 



قد يستغرب البعض من العبارة الأخيرة، ولكن اتذكر قول السيد المسيح، والذي لم أفهمه حين سمعته أول مرة: "الحق الحق اقول لكم ان لم تقع حبة الحنطة في الارض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن ان ماتت تأتي بثمر كثير"
بالفعل فلولا الموت ما صارت حياة.  

يحكى أن رجلان كانا يركبان سفينة في عرض المحيط، أحدهما كان رجلا بارا تقيا يعرف الله ويحبه ويحفظ وصاياه ويعيش بها، والآخر كان رجلا مستهترا لا يعترف بالحياة الآخرى ويعيش في الأرض عابثا بلا ضوابط أو مبادئ يفعل كل ما يشتهية ملبيا احتياجات جسده الفاني طوال الوقت، وصادف أن قابل الرجل التقي ذلك الإنسان الشقي على المركب أثناء الرحلة وحاول إرشاده بكافة الطرق ليرجعه عن طريقه المعروفه نهايته، فالمادة فانية والحياة بالمادة هو حكم بالموت. إلا أن صديقنا لم يقتنع وفضل اغتنام الفرص المتاحة له الآن بدلا من انتظار حياة آخرى يستمتع فيها. وشاءت الأقدار أن تأتي عاصفة قوية تضرب السفينة وتغرقها، حينها شعر الجميع بالرعب وبالأكثر ذلك الذي كان يقدر قيمة الحياة المادية لأنه رأى في لحظة واحدة أن كل ما استثمره سيغرق في ثوان، وقبل أن تغرق السفينة بالكامل، وجد ذلك الرجل صديقه الورع يناديه، فنظر إليه فوجده يعطيه طوق نجاه قائلا له "أرتد هذا" فاستغرب الرجل من موقف الرجل البار، فأخبره: "إن طوق النجاة هذا سينقذ حياتك، فكيف تضحي بحياتك من أجلي؟!" فأخبره بابتسامه هادئة: "لقد عشت حياتي منتظرا الموت، فاستمتعت بحياتي، ولا أخشى مماتي، أما أنت فخوفك من النهاية معناه أنك سلكت الطريق الخاطئ، فخذ فرصتك وأحيا حياتي". ثم ترك له طوق النجاه ليعيش واختفى هو وسط المياة، حينها كتبت للرجل الشقي حياة جديدة واستطاع من خلال تجربة الموت تلك التي مر بها أن يدرك جيدا كيف ينبغي أن يعيش، فعاش تماما حياة صديقه الذي وهبه الحياة". 

AXRJP4 Man worshipping Alamy

عندما خلق الله آدم في الجنة وأمره بالا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر لأنه يوم يأكل منها "موتا يموت" ولكن آدم أكل هو وحواء، فطردوا من جنة عدن، هكذا تقول القصة. 
ولكن... هل مات آدم بمجر أن أكل من الشجرة؟ لا لم يمت فلم تكن الشجرة سامة بل بالعكس، يقول الكتاب: "فانفتحت اعينهما وعلما انهما عريانان" ... لم يمت الانسان جسديا، ولكنه مات روحيا... 

ما معنى هذا الكلام؟

لم تأكل حواء أو آدم من الشجرة لأنهما أرادا عصيان الله، بل لأنهما أرادا أن "تنفتح اعينهما ويكونان كالله عارفين الخير والشر."
 
هكذا دخلت الخطية العالم، ومازالت، كيف؟ 

عندما أصبحت للانسان رؤيته الخاصة بالأمور، عندما شعر الانسان، مخدوعا، أنه يعلم الصواب والخطأ، يعلم ما يجب فعله وما لا يجب، عندما غض بصره عن حكمه الله الواسعة وخطته الكلية المحكمة، وانشغل في أهدافه وطموحاته وخططه الشخصية، وفي سبيلها كسًر كافة الأربطة والعلاقات. 
بعد الخطية، أصبح الانسان يعيش لذاته، ممركزا نفسه للكون، صائرا أهم كائن حي في نظره الضيق المحدود، فأصبح كل هدفه أن يشبع ذلك الكيان البالي وذلك الجسد المتحلل، فيذهب كل ما فعله لذاته مع ذاته إلي الهاوية... اللامكان. 




ما الخطية؟ 

نحن نتجنبها ونهرب منها لأنها محرمة علينا وعاقبتها جهنم (جهنم: جوه هنوم أو وادي هنوم، وهنوم هو الموت، وكان الوثنيون قديما يقتلون الأطفال في هذا الوادي ويقدمونهم محرقات للآله) ولكن إن فكرنا سنجد أن البعد عن الخطية هو نمط حياة أكثر منه خوف من عقاب، فقط إن فهمنا ما الخطية. 
الخطية هي البعد عن الله... وما معنى هذا؟ 
معناه أن تنبع أفعالك عن تفكيرك في أنك أهم من في الكون وأن كل من حولك خلقوا ليشبعون شهواتك، فتتجاهل احتياجاتهم واحساسهم وشعورهم وحياتهم وتدوس عليها في سبيل تحقيق ما تبغاه، فتسرق دون أن تحسب الحزن والضيق الذي سيصيب المسروق، وتقتل في لحظة غضب متجاهلا آلام وعذاب أسرة الفقيد وتيتم أبناءه وتكذب وتشتم وتشهد زورا مادمت ستكون سعيدا وتستجيب لذاتك الفانية. 
لماذا يعتبر الجنس في بعض الأحيان خطية، وفي مرات أخرى وصية إلهية؟   
هو نفس الفعل، ولكن في الزنى أو الاغتصاب يفرغ الفرد شهواته بصورة حيوانية غير عابئ أو مكترث "بالمفعول به" فالمرأة بالنسبة للزاني أو المغتصِب مجرد أداة. أما في الزواج، فنفس الفعل يكون مقدسا ومباركا لأن الرجل يفكر كيف يسعد ويشبع زوجته من خلال هذه اللحظات جسديا وعاطفيا، وقد صار معروفا الآن أن الفشل الجنسي سببه الأساسي أنانية الفرد وبحثه عن لذته الشخصية فقط، وأن روعة العلاقة وكمالها تكمن في اسعاد وإرضاء الآخر. 
وطالما الخطية هي اشباع الذات (أي المادة) والمادة مصيرها معروف، فمن يعيش حياته ليشبع ذاته، فمصيره معروف ايضا. 



حكاية الموجه والمحيط

يحكى أن موجة صغيرة في المحيط كانت تسير في هدوء تحت الشمس المشرقة متجهة نحو الشاطئ ومستمتعة بجمال الطبيعة ودفء الماء وانتعاشة النسيم الذي يتلامس معها، إلا أنها فوجئت بأن الأمواج التي تسبقها بمجرد وصولها للشاطئ تصطدم بقوة بالصخور فتتفتت متناثرة في كل مكان، فذعرت الموجه الصغيرة وارتعبت "يا إلهي... سينتهي مصيري الآن مثل باقي الأمواج"، وحاولت الرجوع أو حتى الوقوف إلا أنها عجزت تماما، فوجدتها موجه كبيره تسبح بجوارها فسالتها لماذا هي خائفة في حين أن الجو من حولها جميلا والطبيعة متكاملة في كل شئ، فاستغربت الموجة الصغيرة متساءلة: "ألا ترين أن الموجات بمجرد أن تصطدم بالصخور تتناثر وتنتهي؟" فأجابتها الموجه الكبيرة مبتسمة: "أنت لست موجه صغيرة، أنت جزء من المحيط" ثم أصطدمتا معا متناثرتان إلي نسيم بديع في الهواء.


إن شعر الانسان إنه جزء من كل وأن الحياة تسير نحو هدف أو خطة إلهية، فبلا شك سيعيش سعيدا، طالما هو واثق بأن الله، خالق الكون، لا يخطئ ولا يظلم أحدا، فهو كامل ومشيئته كامله، فقط أن صدقنا هذا وآمنا به، وسلمنا حياتنا له "ملقين كل همومنا عليه، لأنه هو الذي يعتني بنا". 
لذا ترتكز الأديان، وخصوصا السماوية على شيئين، الأول هو الأيمان بالله والتسليم له، ثانيا، البعد عن الخطية وبالتالي البعد عن إشباع رغبات الذات بالصوم والتعفف والعمل الصالح، فيدرك الفرد تدريجيا بأنه جزء من المحيط وليس موجه مصيرها التفتت بمجرد الوصول إلي الشاطئ. 

الموت والحياة في المسيحية 

تقوم المسيحية على عدة قصص، يراها المسيحيون تاريخية، والملحدون يروها أسطورية، أما الحكماء فيرونها تعليمية. وترتكز المسيحية على شخص المسيح، كلمة الله، والذي يقول الإنجيل عنه: " عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد" وفي نبوءة أشعياء النبي يقول: " ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل" (الذي تفسيره الله معنا). وطوال حياة المسيح وخدمته على الأرض، كان نموذجا عمليا لكيفية أن يعيش الانسان على الأرض، فهو الذي ولد في حظيرة للبقر، وهو من قالت عنه الكتب أنه لم يخطئ في شئ، وعاش على الأرض يعلم الناس عن ملكوت الله في حين لم يكن له "أين يسند رأسه". 




المسيح: حياة وموت 

حياة المسيح وتعاليمه كانت نموذجا للبشر ليعيشوا به، ارسله الله للعالم ليخلصهم من الخطية، ويعرفهم أن الحياة الحقيقية هي أن يعيش الانسان من أجل الآخرين، وهكذا كانت حياته ورسالته، وهكذا تتلخص المسيحية كله في تعاليم المسيح: " تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الاولى. وثانية مثلها هي تحب قريبك كنفسك. ليس وصية اخرى اعظم من هاتين" . وعن جمع المال والثورات كان المسيح صريحا: " مرور جمل من ثقب ابرة ايسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله." لأنه " لا يقدر خادم ان يخدم سيدين. لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر.لا تقدرون ان تخدموا الله والمال". وعندما سأله تلاميذه كيف نصلي وماذا نطلب من الله أخبرهم: "لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون. ولا لاجسادكم بما تلبسون. اليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس. انظروا الى طيور السماء. انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن. وابوكم السماوي يقوتها. الستم انتم بالحري افضل منها. ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة. ولماذا تهتمون باللباس. تاملوا زنابق الحقل كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا افليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الايمان. فلا تهتموا قائلين ماذا ناكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس. فان هذه كلها تطلبها الامم.لان اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها. لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم. فلا تهتموا للغد.لان الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره" 

والمسيح لمن يؤمن بأنه الوسيط الوحيد بين الانسان والله، لأنه الوحيد الذي أخرج الانسان من بوتقة الذات والأنا معطيا للبشرية رؤية جديدة للحياة وهي الاتصال والتكامل والاستمرارية والتواصل، محورها الله وحده، وهدف الانسان فيها هو عبادة الله فقط بلا شريك، سيرى جيدا ماذا كان يقصد بأنه هو "الطريق والحق والحياة"  هو يقول "انا الكرمة وانتم الاغصان. الذي يثبت فيّ وانا فيه هذا يأتي بثمر كثير.لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا." 

وأكمل المسيح رسالته بأن قدم نفسه نموذجا للبشر في المحبة التي تصل إلي درجة الموت من أجل الحبيب، واي موت أصعب من الموت مصلوبا على خشبة عاريا أمام الجميع. 

"هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم. ليس لاحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه."
(يو 15: 12-13)

بموت المسيح، أكتملت الصورة، وفهمنا كيف يمكن أن يحب الله البشر، بصورة يمكن أن يفهمها البشر. وبناء عليها تعلمنا كيف ينبغي أن يعيش الانسان، لا لذاته بل لأجل الآخرين، احبائه وأعدائة، وهكذا بموت المسيح وقيامته بطلت الخطية، وبطل الموت. 

وأصبحنا نعيش كما يقول الرسول بولس:

"مع المسيح صلبت (أموت) فاحيا لا انا بل المسيح يحيا فيّ. فما احياه الآن في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني واسلم نفسه لاجلي"
(غل 2: 20)



تعلمت من الموت معنى الحياة



لطالما فكرت في الموت، وتأملته، واستغربته، وفي أحيان كثيرة كنت أخاف منه، ولكني في النهاية كنت استسلم لحتميته، وإن صدق القول، فهو الحقيقة الوحيدة في حياتنا. 
الموت... لا تكفيه كتبا وأبحاثا لنفهمه
الموت... هو المفتاح السري لكشف كافة ألغاز الحياة
الموت... هو التجربة المشتركة لكل ما هو حي
الموت... لولاه لما صارت حياة 


قد يستغرب البعض من العبارة الأخيرة، ولكن اتذكر قول السيد المسيح، والذي لم أفهمه حين سمعته أول مرة: "الحق الحق اقول لكم ان لم تقع حبة الحنطة في الارض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن ان ماتت تأتي بثمر كثير"
بالفعل فلولا الموت ما صارت حياة.  
يحكى أن رجلان كانا يركبان سفينة في عرض المحيط، أحدهما كان رجلا بارا تقيا يعرف الله ويحبه ويحفظ وصاياه ويعيش بها، والآخر كان رجلا مستهترا لا يعترف بالحياة الآخرى ويعيش في الأرض عابثا بلا ضوابط أو مبادئ يفعل كل ما يشتهية ملبيا احتياجات جسده الفاني طوال الوقت، وصادف أن قابل الرجل التقي ذلك الإنسان الشقي على المركب أثناء الرحلة وحاول إرشاده بكافة الطرق ليرجعه عن طريقه المعروفه نهايته، فالمادة فانية والحياة بالمادة هو حكم بالموت. إلا أن صديقنا لم يقتنع وفضل اغتنام الفرص المتاحة له الآن بدلا من انتظار حياة آخرى يستمتع فيها. وشاءت الأقدار أن تأتي عاصفة قوية تضرب السفينة وتغرقها، حينها شعر الجميع بالرعب وبالأكثر ذلك الذي كان يقدر قيمة الحياة المادية لأنه رأى في لحظة واحدة أن كل ما استثمره سيغرق في ثوان، وقبل أن تغرق السفينة بالكامل، وجد ذلك الرجل صديقه الورع يناديه، فنظر إليه فوجده يعطيه طوق نجاه قائلا له "أرتد هذا" فاستغرب الرجل من موقف الرجل البار، فأخبره: "إن طوق النجاة هذا سينقذ حياتك، فكيف تضحي بحياتك من أجلي؟!" فأخبره بابتسامه هادئة: "لقد عشت حياتي منتظرا الموت، فاستمتعت بحياتي، ولا أخشى مماتي، أما أنت فخوفك من النهاية معناه أنك سلكت الطريق الخاطئ، فخذ فرصتك وأحيا حياتي". ثم ترك له طوق النجاه ليعيش واختفى هو وسط المياة، حينها كتبت للرجل الشقي حياة جديدة واستطاع من خلال تجربة الموت تلك التي مر بها أن يدرك جيدا كيف ينبغي أن يعيش، فعاش تماما حياة صديقه الذي وهبه الحياة". 


عندما خلق الله آدم في الجنة وأمره بالا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر لأنه يوم يأكل منها "موتا يموت" ولكن آدم أكل هو وحواء، فطردوا من جنة عدن، هكذا تقول القصة. 
ولكن... هل مات آدم بمجر أن أكل من الشجرة؟ لا لم يمت فلم تكن الشجرة سامة بل بالعكس، يقول الكتاب: "فانفتحت اعينهما وعلما انهما عريانان" ... لم يمت الانسان جسديا، ولكنه مات روحيا... 

ما معنى هذا الكلام؟
لم تأكل حواء أو آدم من الشجرة لأنهما أرادا عصيان الله، بل لأنهما أرادا أن "تنفتح اعينهما ويكونان كالله عارفين الخير والشر."
 
هكذا دخلت الخطية العالم، ومازالت، كيف؟ 

عندما أصبحت للانسان رؤيته الخاصة بالأمور، عندما شعر الانسان، مخدوعا، أنه يعلم الصواب والخطأ، يعلم ما يجب فعله وما لا يجب، عندما غض بصره عن حكمه الله الواسعة وخطته الكلية المحكمة، وانشغل في أهدافه وطموحاته وخططه الشخصية، وفي سبيلها كسًر كافة الأربطة والعلاقات. 
بعد الخطية، أصبح الانسان يعيش لذاته، ممركزا نفسه للكون، صائرا أهم كائن حي في نظره الضيق المحدود، فأصبح كل هدفه أن يشبع ذلك الكيان البالي وذلك الجسد المتحلل، فيذهب كل ما فعله لذاته مع ذاته إلي الهاوية... اللامكان. 



ما الخطية؟ 

نحن نتجنبها ونهرب منها لأنها محرمة علينا وعاقبتها جهنم (جهنم: جوه هنوم أو وادي هنوم، وهنوم هو الموت، وكان الوثنيون قديما يقتلون الأطفال في هذا الوادي ويقدمونهم محرقات للآله) ولكن إن فكرنا سنجد أن البعد عن الخطية هو نمط حياة أكثر منه خوف من عقاب، فقط إن فهمنا ما الخطية. 
الخطية هي البعد عن الله... وما معنى هذا؟ 
معناه أن تنبع أفعالك عن تفكيرك في أنك أهم من في الكون وأن كل من حولك خلقوا ليشبعون شهواتك، فتتجاهل احتياجاتهم واحساسهم وشعورهم وحياتهم وتدوس عليها في سبيل تحقيق ما تبغاه، فتسرق دون أن تحسب الحزن والضيق الذي سيصيب المسروق، وتقتل في لحظة غضب متجاهلا آلام وعذاب أسرة الفقيد وتيتم أبناءه وتكذب وتشتم وتشهد زورا مادمت ستكون سعيدا وتستجيب لذاتك الفانية. 
لماذا يعتبر الجنس في بعض الأحيان خطية، وفي مرات أخرى وصية إلهية؟   
هو نفس الفعل، ولكن في الزنى أو الاغتصاب يفرغ الفرد شهواته بصورة حيوانية غير عابئ أو مكترث "بالمفعول به" فالمرأة بالنسبة للزاني أو المغتصِب مجرد أداة. أما في الزواج، فنفس الفعل يكون مقدسا ومباركا لأن الرجل يفكر كيف يسعد ويشبع زوجته من خلال هذه اللحظات جسديا وعاطفيا، وقد صار معروفا الآن أن الفشل الجنسي سببه الأساسي أنانية الفرد وبحثه عن لذته الشخصية فقط، وأن روعة العلاقة وكمالها تكمن في اسعاد وإرضاء الآخر. 
وطالما الخطية هي اشباع الذات (أي المادة) والمادة مصيرها معروف، فمن يعيش حياته ليشبع ذاته، فمصيره معروف ايضا. 

حكاية الموجه والمحيط
يحكى أن موجة صغيرة في المحيط كانت تسير في هدوء تحت الشمس المشرقة متجهة نحو الشاطئ ومستمتعة بجمال الطبيعة ودفء الماء وانتعاشة النسيم الذي يتلامس معها، إلا أنها فوجئت بأن الأمواج التي تسبقها بمجرد وصولها للشاطئ تصطدم بقوة بالصخور فتتفتت متناثرة في كل مكان، فذعرت الموجه الصغيرة وارتعبت "يا إلهي... سينتهي مصيري الآن مثل باقي الأمواج"، وحاولت الرجوع أو حتى الوقوف إلا أنها عجزت تماما، فوجدتها موجه كبيره تسبح بجوارها فسالتها لماذا هي خائفة في حين أن الجو من حولها جميلا والطبيعة متكاملة في كل شئ، فاستغربت الموجة الصغيرة متساءلة: "ألا ترين أن الموجات بمجرد أن تصطدم بالصخور تتناثر وتنتهي؟" فأجابتها الموجه الكبيرة مبتسمة: "أنت لست موجه صغيرة، أنت جزء من المحيط" ثم أصطدمتا معا متناثرتان إلي نسيم بديع في الهواء.
إن شعر الانسان إنه جزء من كل وأن الحياة تسير نحو هدف أو خطة إلهية، فبلا شك سيعيش سعيدا، طالما هو واثق بأن الله، خالق الكون، لا يخطئ ولا يظلم أحدا، فهو كامل ومشيئته كامله، فقط أن صدقنا هذا وآمنا به، وسلمنا حياتنا له "ملقين كل همومنا عليه، لأنه هو الذي يعتني بنا"
لذا ترتكز الأديان، وخصوصا السماوية على شيئين، الأول هو الأيمان بالله والتسليم له، ثانيا، البعد عن الخطية وبالتالي البعد عن إشباع رغبات الذات بالصوم والتعفف والعمل الصالح، فيدرك الفرد تدريجيا بأنه جزء من المحيط وليس موجه مصيرها التفتت بمجرد الوصول إلي الشاطئ. 

الموت والحياة في المسيحية 

تقوم المسيحية على عدة قصص، يراها المسيحيون تاريخية، والملحدون يروها أسطورية، أما الحكماء فيرونها تعليمية. وترتكز المسيحية على شخص المسيح، كلمة الله، والذي يقول الإنجيل عنه: " عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد" وفي نبوءة أشعياء النبي يقول: " ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل" (الذي تفسيره الله معنا). وطوال حياة المسيح وخدمته على الأرض، كان نموذجا عمليا لكيفية أن يعيش الانسان على الأرض، فهو الذي ولد في حظيرة للبقر، وهو من قالت عنه الكتب أنه لم يخطئ في شئ، وعاش على الأرض يعلم الناس عن ملكوت الله في حين لم يكن له "أين يسند رأسه". 



المسيح: حياة وموت 

حياة المسيح وتعاليمه كانت نموذجا للبشر ليعيشوا به، ارسله الله للعالم ليخلصهم من الخطية، ويعرفهم أن الحياة الحقيقية هي أن يعيش الانسان من أجل الآخرين، وهكذا كانت حياته ورسالته، وهكذا تتلخص المسيحية كله في تعاليم المسيح: " تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الاولى. وثانية مثلها هي تحب قريبك كنفسك. ليس وصية اخرى اعظم من هاتين" . وعن جمع المال والثورات كان المسيح صريحا: " مرور جمل من ثقب ابرة ايسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله." لأنه " لا يقدر خادم ان يخدم سيدين. لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر.لا تقدرون ان تخدموا الله والمال". وعندما سأله تلاميذه كيف نصلي وماذا نطلب من الله أخبرهم: "لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون. ولا لاجسادكم بما تلبسون. اليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس. انظروا الى طيور السماء. انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن. وابوكم السماوي يقوتها. الستم انتم بالحري افضل منها. ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة. ولماذا تهتمون باللباس. تاملوا زنابق الحقل كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا افليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الايمان. فلا تهتموا قائلين ماذا ناكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس. فان هذه كلها تطلبها الامم.لان اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها. لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم. فلا تهتموا للغد.لان الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره" 

والمسيح لمن يؤمن بأنه الوسيط الوحيد بين الانسان والله، لأنه الوحيد الذي أخرج الانسان من بوتقة الذات والأنا معطيا للبشرية رؤية جديدة للحياة وهي الاتصال والتكامل والاستمرارية والتواصل، محورها الله وحده، وهدف الانسان فيها هو عبادة الله فقط بلا شريك، سيرى جيدا ماذا كان يقصد بأنه هو "الطريق والحق والحياة"  هو يقول "انا الكرمة وانتم الاغصان. الذي يثبت فيّ وانا فيه هذا يأتي بثمر كثير.لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا." 

وأكمل المسيح رسالته بأن قدم نفسه نموذجا للبشر في المحبة التي تصل إلي درجة الموت من أجل الحبيب، واي موت أصعب من الموت مصلوبا على خشبة عاريا أمام الجميع. 

"هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم. ليس لاحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه." (يو 15: 12-13)

بموت المسيح، أكتملت الصورة، وفهمنا كيف يمكن أن يحب الله البشر، بصورة يمكن أن يفهمها البشر. وبناء عليها تعلمنا كيف ينبغي أن يعيش الانسان، لا لذاته بل لأجل الآخرين، احبائه وأعدائة، وهكذا بموت المسيح وقيامته بطلت الخطية، وبطل الموت. 
وأصبحنا نعيش كما يقول الرسول بولس:
"مع المسيح صلبت (أموت) فاحيا لا انا بل المسيح يحيا فيّ. فما احياه الآن في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني واسلم نفسه لاجلي" (غل 2: 20)