Saturday, September 29, 2012

كنائس بابل العظيمة


كنائس بابل العظيمة

بالأمس ذهبت مع زوجتي الكنيسة المجاورة لبيتنا لحضور أحد الاجتماعات الروحية لأول مرة ولنتعرف على الأسر الموجودة بالكنيسة ونختلط معهم فنحن مهاجرون جدد، وصلنا كندا من مصر منذ شهر واحد وتقريبا لا نعرف أحدا بحكم البلد الجديدة وظروف الهجرة. 

عرفت ميعاد الاجتماع من صديق لي، هاجر إلي هنا منذ عدة سنوات ولا أعرف غيره في هذا البلد، فبالفعل ذهبت مع زوجتي للاجتماع وبحثنا عنه في كنيسة كبيرة متعددة الطوابق إلي أن وجدناه في غرفة جانبية صغيرة بدون أي لوحات أو ارشادات تدل إليه. وقفنا على بابه المفتوح، وتقريبا كل من بالاجتماع ينظر الينا – وهم يرنمون احد التراتيل – ولم يتحرك أحدهم ولو بإشارة لاستقبالنا أو حتى بابتسامة ترحيب لندخل، ولككنا دخلنا على أي حال، ومررنا في وسط الجميع – المغيبين – إلي أن وصلنا لمنتصف الغرفة وجلسنا. انتهوا من أول ترنيمة، فحرك الخادم المسؤول الماوس بين يديه لينقر على ترنيمة جديدة على حاسوب أمامه، ليبدأ الجمع من خلفه يرنم وكأننا لم ندخل من أساسه. 

من المفترض أن اسم هذا الاجتماع، الراعي الصالح، وهو مخصص للأسر المهاجرة، ليس الشباب ولا الأطفال ولا كبار السن، بل الأسرة كلها، ليجتمعوا ويتعارفوا، ويتشاركوا خبراتهم في إطار روحي كنسي – أو ربما هذا الذي ظننته – في حين كان الواقع مختلف تماما، فقد وجدنا مجموعة مغيبة من الكائنات تردد كلمات بأفواهها ولا تعي ما يحدث من حولها، لا أعرف لماذا جاءوا؟ وما تعريفهم لكلمة كنيسة، وهل يعرفون أن الكنيسة ليست معبد بل هي جماعة مؤمنين أم لا؟ لا ألومهم ولا ألوم الخادم المسءول عن الاجتماع ولا حتى الكاهن الذي كان حاضرا في اجتماع لا تتخطى اسره اصابع اليدين في دولة مهجر وأتت عليهم أسرة جديدة ولم يكلف أحدهم خاطره حتى ليرحب بهم ويستقبلهم، ناهيك عن دورهم الاساسي في خدمتهم وفي مساعدتهم ، فإن لم تكن هذه هي الخدمة والرسالة، فما تعريف الخدمة المسيحية؟ تشييد المباني وإعلاء المنارات؟ للاسف الأجابة هي نعم ونعم كبيرة جدا. فبكل أسف هذا ما كان يحدث في مصر وفوجئت به يتكرر هنا في كندا؟ وفي هذه الكنيسة تحديدا؟ ها هم يشيدون كنيسة كاملة جديدة خلف الكنيسة القديمة، ملايين الدولارات انفقت وتنفق من أجل المباني الشاهقة والديكورات والايقونات والانتيكات والتكييفات الخ الخ الخ.
وماذا عن النفوس؟ ماذا عن الاساس الحقيقي للكنيسة؟ جماعة المؤمنين؟ 

لا أعرف أهو تجاهلهم تجاهنا أم كئابة الترنيمة التي كانوا يرتلونها :
"غيرت اغسطين الفاجر حولته إلى قديس طاهر... حولت ماريا القبطية من سيرتها الشيطانية ... إلى سيرة حلوة ملائكية في عيشة نسك سماوية ... غيرت اغسطين الفاجر حولته إلى قديس طاهر ... حولت كمان موسى الأسود إلى كانت هيئته ترعد ... إلى قديس طيب متواضع قلبه ابيض نوره ساطع ... صاحب قدرة لانهائية بتحب خلاص البشرية ... حولت كمان موسى الأسود اللي كانت هيئته ترعد ... يا ربى ياللى أتوليتهم بالنعمة وبدلت حياتهم ... هم وكثير تانى غيرهم تحريرهم تم وتبريرهم ... أرجوك أرجوك اتولانى حولني إلى إنسان تانى" 

أم جو التغييب الكامل الذي لاحظناه، كأننا دخلنا غرفة أموات أو منومين، لست متأكدا، ولكنني نظرت لزوجتي لأخبرها برغبتي في المغادرة لأجدها تنظر إلي لتخبرني بنفس الشئ في نفس الوقت، وبالفعل قمنا وتحركنا نحو الباب، وهم لا يزالون في غيبوبتهم.
وهنا تذكرت قصة سمعتها  في الكنيسة عندما كنت طفلا (يا للغرابة) وهي قصة قديس اسمه الانبا بيشوي، كان في أحد الأديرة مع رهبان وسمعوا أن المسيح قد ظهر على الجبل، فخجوا جميعا للقائة مسرعين، كل يريد أن يصل أولا، واثناء صعودهم الجبل مروا برجل مقعد سألهم إلي اين انتم ذاهبون فأخبروه انهم سمعوا أن المسيح قد ظهر أعلى الجبل وهم هامون لرؤيته، فسألهم أن يذهب معهم، فكان كل من يسأله – من الرهبان – يخبره بأنه سيعطله عن الصعود ويعتذر له، إلي أن سأل القديس الانبا بيشوي، ورغم شيخوخته وضعفه إلا أنه حمل هذا المقعد وبدأول يصعدوا معا الجبل متأخرين عن جموع الرهبان المسرعين. واثناء صعود القديس اكتشف أن هذا المقعد هو السيد المسيح ذاته وأنه لا يوجد أي ظهور على الجبل فخاب ظن الرهبان ولم يجدوا أحدا، بل نال الانبا بيشوي وحده البركة – أي بركة؟ - بركة المحبة والرحمة .. لأن السيد المسيح هو نفسه القائل: "عطشت فسقيتموني. كنت غريبا فآويتموني. عريانا فكسوتموني. مريضا فزرتموني. محبوسا فأتيتم إلي" ؟

حتى أن خرجنا من الكنيسة تماما ووصلنا للشارع كان لدي أمل ولو ضئيل أن أجد أحد الخدام يأتي من خلفنا، حتى ليسأل من نحن ولكن هذا لم يحدث.
أخذنا ننظر بين نوافذ مباني الكنيسة ونحن نسير متأملين كل مجموعة بداخل كل غرفة، من يتحدثون ومن يطبخون ومن يلعبون، كأنه نادي اجتماعي لمسيحين مصر المهاجرين. هنا استوقفتنا حقيقة مفزعة: لماذا ونحن مسيحيين مصريين لا نشعر بالانتماء لهم؟
ربما لأن ما تمارسه الكنيسة الآن لا يمت للمسيح بصلة، وما اعتاد عليه أغلب المسيحيون لا يتعلق بالمسيحية من قريب ولا من بعيد؟ 

كل ما يشغلهم هو الانفاق المسرف على الأراضي والمباني، ثم تأتي النفوس في المرتبة الثانية أو الأخيرة حتى، ليجيبني أحد المسئولين بأمانة كم تصرف الكنائس على المساكين والمعوذين مقابل ما تصرفه على الأراضي والممتلكات المادية؟ ماذا يريدون؟ صحون كنائس مزغرفة بالذهب والمجوهرات وخالية من النفوس؟ ليأتوا وينظروا الكنائس الكاثوليكية هنا في كندا وأوربا كلها، لقد أصبحت متاحف بالرغم من جمالها وتراثها وعراقتها لأن أحدا لا يذهب إليها. ليتعلموا من المسلمين بدلا من الخوف منهم والحقد عليهم وعلى زيادة عددهم، هم ينفذون ما أمركم المسيح به، ولم تسمعوه. يصلون في أي مكان حتى لو في الشارع، لا يشغلهم زي مطعم بالمجوهرات والذهب ولا أيقونات منحوتة ولا مباني ذات طابع معين، بل يشغلهم الله وحده الذي يعبدون، وروح الجماعة التي يصلون بها، بالاتزام واحترام ووحدانية، فلا تعجبون إذا ان بارك الله في عددهم، بل تأملوهم وتعلموا منهم بدلا من أن تأخذونهم ذريعة لتعوضوا نقص عددكم بارتفاع مناراتكم. فالانسان وحده هو المنارة يا مسيحيين اليس كذلك؟ الستم؟ "انتم نور العالم"  فكونوا نورا حقيقيا، أنيروا بالتعاليم الحقيقية: بالحب والرحمة والسلام. لم يعلمنا المسيح أن نشر تعاليمه يكون بالمعاداة والهجوم والمقارنة والبحث عن اخطاء الغير لنظهر نحن على صواب مادام الآخر على خطأ، بل بقبول الاختلاف والتعلم منه بتواضع ومحبه طاردين كل خوف وإدانة وكراهية. أليست هذه المسيحية؟ أم كلمات لم تعد تألفها آذاننا أو غطي عليها صوت الأجراس والدفوف!