كتيب: يليق أم لا يليق

 

يليق أم لا يليق
بين حرية الاختيار واختيار الحرية
مينا عدلي يونان 

الطبعة الأولى  أكتوبر 2008



مقدمة لنيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس
 (أسقف منطقة شرق السكة الحديد بالقاهرة)


أعجبت بهذا الكتاب النافع، والذي يجعل الانسان يقف دائما عند سلوكه ليميز بين ما يليق وما لا يليق، ويفرق بين مفهومي حرية الاختيار واختيار الحرية، ويدعو الانسان إلي النظر في تصرفاته أو ما يسمى بردود الأفعال، وأن يكتشف الضرر من النفع والجيد من الردئ.

وفي ثنايا هذا الكتاب تدعو كلماته الانسان لكي يسلك في منظومة النظام العام والقانون الانجيلي ووصايا الله الحية والتي تجعل حياة الانسان لها ثمارها الجيدة في وسط العالم الذي يعيش فيه حسب قول الانجيل "ليروا أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات".

ويشجع هذا الكتاب أيضا بأن يجعل الانسان يتابع سلوكه وتصرفاته لكي يصحح ما بها من أخطاء وهو في طريقه إلي النجاح وتحقيق الطموحات المختلفة. لذا فهناك العديد من الأمثلة والآيات الكتابية والتي تدعم وجهة نظر الكاتب فيما يقوله.

الرب يجعل هذا الكتاب سبب نفع وبركة لكثير من شبابنا الذي يبغي الحياة الفضلى التي تكلم عنها السيد المسيح "جئت لتكون لكم حياة وليكون لكم أفضل". ونشكر الابن مينا عدلي يونان على كتابه الرائع والذي يتلامس مع أرض الواقع والحياة اليومية.


بصلوات حضرة صاحب القداسة البابا شنودة الثالث
الرب يديم لنا حياته سنينا كثيرة وأزمنة هادئة سالمة مجيده.


    الأنبا مارتيروس




تمهيد


"ليكن كل شئ بلياقة وبحسب ترتيب"

قد تفاجأ بأنك تقرأ كتابا فلسفيا وليس دينيا بالمفهوم الشائع، ولكنك متى إنتهيت من قراءته ستحتاج إلي إعادة قراءته لتفكر فيما قرأت. فهو يتضمن ما قاله السيد المسيح من تعاليم، وما تركه لنا من مفاهيم، وما أرساه من قواعد، وما قدمه من سلوك.

فالفلسفة حكمة، والحكمة نور، والسيد المسيح هو نور العالم، وكلمته أيضا نور (فتح كلامك ينير العقول) ... (كلامك نور لسبيلي)، وغاية تعليم المسيح هي المحبة، والمحبة ليست مجرد الغاية، بل هي الوسيلة أيضا، فالله محبة، ومن يسلك في المحبة، يسلك في النور.

ولكي نسلك بالمحبة لأنفسنا وللآخر، كما علمنا الإنجيل: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، وتحب قريبك كنفسك"، لابد أن يكون لدينا الشعور والإحساس بالآخر بدون تعقيد أو تقليد بعيدا عن الأنانية والمظهرية. ونتساءل.. لماذا ننظر للآخرين ونحاول إما أن نجعلهم مثلنا، أو أن نكون نحن مثلهم؟ أليس هذا مسلكا لا يليق! أم لماذا لا أتقبل ذاتي كما خلقها الله، وأفتش داخلها عن العطايا والمواهب التي منحني إياها الله، فأعيش مكتفيا وراضيا ومن ثم سعيدا.. فقط إذا تقبلت ذاتي كما هي.. بمعني أن أكون انا ذاتي، ولكن التقليد والنظر إلي مزايا الآخرين وغض البصر عما لذاتي إلا فيما يعيبها أو ينقصها، هو الذي يجعلني أظل متمركزا نحو ((( الأنا ))) وأمضي العمر كله لاهثا وراء ما يجعلني جميلا.. لطيفا.. غنيا.. وقد أصل بذلك إلي حد التطرف أو القصد غير السليم وهي أمور لا تليق.

ربما تتوقع قارئي العزيز أن بين يديك كتابا يجيب على تساؤلاتك عن كل ما يليق وكل ما لا يليق فتستريح من مشكلة الإختيار... ولكن ليست مشيئة الله أن يخلقنا عبيدا بل خلقنا أحرارا لأننا أبناء، ولذا ينبغي لنا أن نسلك بحرية لأنه ما يليق لشخص ما ليس بالضرورة لائقا لشخص آخر، وما يليق في زمن ما أو مكان ما قد لا يليق في غيره. فما هو المعيار إذن؟ المعيار هو في إتجاه الفكر وليس في السلوك ذاته. وهذا الكتاب سيفتح لك مجالا للتفكير، ولا يتضمن قائمة للحفظ وإنما سيأخذك لكي تفكر في أسلوب حياتك ونمط معيشتك لتحيا كلمات وتعاليم الكتاب المقدس، دستور حياتنا المسيحية، وكذلك في أقوال ومواقف مشاهير الفلاسفة والحكماء والمفكرين لترى الطريق، فتكون لديك رؤية واستنارة تقودك إلي ما هو يليق فتتجنب ما لا يليق ..

"أنا هو الطريق"

وأتمنى أن يساعدك هذا الكتاب لتقف بنفسك وتقرر في كل موقف ما يليق فتفعله وما لا يليق فلا تفعله، "لأن كل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء توافق".  



المؤلف

تقديم

        عندما يصحو إنسان هذه العصر كل صباح يسمع ويشاهد ما هو جديد ومبتكر من شتى المخترعات والأدوات والموديلات وأنماط الحيوات المختلفة وأساليب الحياة بين الثقافات والحضارات والشعوب، فالعالم اليوم ذو سموات مفتوحة والخبر في كل مكان ينتقل في ذات اللحظة إلي جميع أنحاء العالم.

إن انسان هذا العصر قد يراه البعض أوفر حظا من انسان القرون الماضية، فهو سيد المعرفة، ومن يملك المعلومات يملك السلطة، فالمعرفة سلطة كما يقول الفليسوف Francis Bacon : Knowledge is Power . ولكنها أيضا سببا لشقاء الانسان جاعله إياه مضطربا ومشتتا بين هذا الكم الهائل من مدارس الفكر والمعرفة المتصارعة، فتتحول السلطة إلي عبودية وضعف وانسياق، وهذا ما يسمونه علماء النفس الاجتماعيين بمرض العصر، ويطلق على إنسان القرن الحادي والعشرين بالشخصية الإنعزالية أو 21st century Schizoid man . ومن أهم سمات تلك الشخصية الحيرة والإنعزال عن الآخرين والهروب من المجتمع والتوهان بين هذا الكم الهائل من المعلومات والأفكار والثقافات. وبات يتخبط بين كل ما يستقيه ولا يستطيع هضمه، وبين غرائزه وبواطن ضعفه في حب الإمتلاك والظهور وإعلان ذاته التائهة في هذا العالم مطموس الملامح.

        هذا من ناحية، ومن ناحية آخرى حيرته بين ما يليق أن يسلك فيه وما لا يليق؛ فاللياقة هي حسم لمشكلة الإختيار، فإذا جنح الأنسان إلي المحاكاة والتقليد والتلذذ بالمشاهدة ثم الممارسة ساعيا لتحقيق سعادته، أفرغه ذلك من جوهره وجعله انسانا باهت الصورة، تلك الصورة الإلهية السامية التي جبله الله عليها ( خلق الله الإنسان على صورته كشبهه" ، وإذا رفض التقليد والمحاكاة لأن ذلك لا يليق – بالنسبة إليه – أتهم من البعض بالرجعية والتخلف، وتسبب في عثرة من حولة وفقدانه لتجانسه مع بيئته وأقاربه وبالتالي شذوذه عن المجتمع، فماذا إذن عساه أن يفعل؟؟؟!!!

        في هذا الكتال عرض فلسفي وروحي لمفهوم اللياقة وكل ما يتعلق بها من معنى من خلال أربعة فصول تتناول اللياقة من جميع أبعادها ومصادرها التي تغذيها؛ اللياقة كمفهوم عام وفلسفة فكرية شاملة، والحرية، والسعادة، وأخيرا إتباع التقليد أو الإبتكار والتطوير، وذلك من منطلق ما يليق وما لا يليق: بين حرية الاختيار واختيار الحرية.

أرجو أن ينال هذا الكتاب بركة مخلصنا يسوع المسيح، قدوتنا الحسنة ونموذج للحياة كما يجب أن تكون، له المجد الدائم إلي الأبد آمين.



يناير 2009


أولا : اللياقة




Propriety



ما هي اللياقة  ؟

1- اللياقة :



يحكى أن أحد السلاحف قابلت فأرا في الصحراء وقالت له :
"أنني غير راضية عن حياتي ، فأنا بطيئة السير جدا بالنسبة لباقي الحيوانات ، ولا أستطيع الطيران مثل باقي الطيور التي أراها تطير من فوقي في السماء بحريًة وسعادة ، كذلك لا استطيع السباحة والغوص كالأسماك.
فتعجب الفأر لها وحاول أن يخبها أن لكل كائن طبيعته الفريدة بما فيها من مميزات وعيوب ولا ينبغي أن يقارن كل حيوان نفسه بالأخرين ، لأنه لا يوجد حيوان كامل ، أو حيوان أفضل من حيوان ، بل كل الحيوانات مشتركين في طبيعة واحدة وهي الأختلاف .
ولكن السلحفاة لم تسمع له ، واستمرت في مقارنة نفسها بباقي الحيوانات .
وذات يوم رأت السلحفاة نسرا محلقا بالقرب منها ، وانتابتها فكرة طائشة ، فقالت له :
" يا نسر .. أرجوك ارفعني معك لأعلي وسأحاول الطيران وأثيت لباقي الحيوانات أن لدي مهارات عالية . "
فدهش النسر من هذا الطلب الغريب ، لكنه قام برفعها لأعلى بمنقاره وقال لها في تحد :
" هأنذا قد رفعتك لأعلى ، فلتبدأي في الطيران " .
وقام النسر بتحرير السلحفاة من منقار القابض عليها ليدع اسلحفاة تطير .
وبمجرد أن فعل ذلك سقطت السلحفاة على الأرض لأنها بالتأكيد لم تتمكن من الطيران ، وراحت السلحفاة تبكي وتتألم بسبب حدوث اصابات بالغة لها ، فقد كسر غطائها الصدفي السميك ، وجرحت أرجلها .
ومنذ ذلك اليوم صارت السلحفاة راضية بمعيشتها ولم تفكر مرة أخرى في مقارنة نفسها بالاخرين .

        وبعد مرور عدة سنوات هبت عاصفة قوية أدت الي مقتل معظم الحيوانات ، ولم يستطع الصمود سوي تلك الحيوانات الصغير التي تستطيع أن تدفن نفسها في الرمال ، وكانت السلحفاة واحدة منهم .
وأثناء اختباء تلك الحيوانات الصغيرة رأت السلحفاة ذلك الفأر الذي أشتكت له عدم رضاعا عن حياتها منذ عدة سنوات . فقالت له :
" هل تتذكرني ؟ الان فقط عرفت أنني أفضل من كل تلك الحيوانات التي كنت أحسدها على قدراتها التي حرمت منها ؛ فالطيور التي كانت تطير في السماء لم تستطع الصمود أمام تلك العاصفو القوية وماتت ، والاسماك لم تقدر على مقاومة شدة التيار المنبعث من قوة العاصفة وماتت أيضا ، كذلك الحيوانت البرية لم تقدر أن تدفن نفسها في الرمال مثلنا لأنها كبيرة الحجم وليس لديها قدرة علة الحفر . "
فرد عليها الفأر : " ليس هناك حيوان أفضل من غيره ، بل أن لكل حيوان بيئة تناسبه أفضل من باقي الحيوانات ، والذي يعيش هو فقط الذي ينجح في التأقلم والتكيف مع بيئته ، ويستغل قدراته ومميزاته الاستغلال الامثل ، بدلا من مقارنة نفسه بالاخرين ، وعلى فكرة أنا لست ذلك الفأر الذي تدعين أنه قابلك منذ عدة سنوات ، فالفئران لا تعيش كثيرا مثلكم أنتم السلاحف ، ولكنه تنجب كثيرا على عكس السلاحف أيضا . "

واستمرت العاصفة عدة أشهر حتى توقفت تماما وهدأ الجو ، فخرجت السلحفاة من مخبأها لتجد أن باقي الحيوانات التي كانت مختبئة معها قد ماتت أيضا لأنها لم تستطع العيش طوال هذة المدة بدون طعام أو شراب .
وهنا شعرت السلحفاة بسعادة بالغة لأنها خلقت سلحفاة وقالت لنفسها :
" أنا أفضل من باقي الحيوانات والطيور ... "
وقبل أن تنهي جملتها خرج ثعبانا صغير جدا من بين الرمال ، ودخل الي صدفة السلحفاة وأخذ يلتهمها بسعادة .
















 " وليكن كل شئ بلياقة وبحسب ترتيب "           ( 1 كو 14 : 40 )




فما هي اللياقة إذن ؟


        "هي مقياس فلسفي يقيس مدى تجانس العناصر محل الأختبار بالنسبة لطبيعتها الداخلية وبيئتها الخارجية."


فهي اذن :

1-   مقياس فلسفي :  فهي ليست مجرد تعليم ديني ، بل تمتد لتشمل كافة مناحي الحياة ، فهي ذات مفهوم فلسفي عميق ، وهي مقياس كأي مقياس أخر يقيس مدى نجاح أو فشل ، العنصر محل القياس 
2-   العناصر محل الاختبار : هي كل شئ يمكن أن تتخيله على كافة الاصعدة المختلفة ، فهي الاثات في المنزل ، والاشجار في الغابة ، والاسماك في البحر ، والافعال في السلوك
3-   التجانس : هو مدي نجاح كل عنصر في تحقيق التوازن والتناغم والقبول وعدم النفور
4-   الطبيعة الداخلية : هي الطبيعة الخلقية للعنصر محل الاختبار ، مثلا : طبيعتي الداخلية انسان ولست سمكة أو اله تصوير ، فلا استطيع أن اعيش في البحر ، أو التقط الصور بجسدي 
5-    البيئة الخارجية : هي العلاقة المكانية والزمانية بين العناصر محل القياس ، فلا تجد مركب يسير في الشارع ، أو تجد سيارة لامبورجيني تسيير في العصر الحجري القديم .



ومن أهم تطبيقات اللياقة في حياتنا : اللياقة الادبية ، اللياقة الفنية ، واللياقة السلوكية .













أولا: اللياقة الادبية :

من المصطلحات الأدبية الشهيرة مصلطلح DECORUM     وهي كلمة لاتينية تعني التناسب والتوافق واللياقة. وهي قاعدة أدبية تستخدم في الشعر والمسرح والرواية ، وتشير الي مدى توافق وملاءمة الاسلوب الادبي بالنسبة للمادة الادبية . وقد أكد كلا من أرسطو Aristotle ( في القرن الثالث قبل الميلاد في كتابه الشهير Aristotle Poetics ) و هوراس  Horace ( في كتابه فن الشعر Ars Poetics  ) أهمية اختيار الاسلوب الانسب والاكثر لياقة في الكتابات الادبية ، كذلك أهمية وضع كل أسلوب أدبي في نصه الصحيح سواء كان ملحمة أدبية ، أو تراجيديا ، أو كوميديا ، فلا يصح أن نستخدم أسلوب أدبي راق خاص بكتابة الملاحم في وصف حياة أحد البؤساء في كوميديا ساخرة ، ولا نستخدم اسلوب عامي مبتذل في وصف مأدبة للملوك في أحد الملاحم الراقية .



ثانيا : اللياقة الفنية :

اللياقة الفنية ، أو فن الديكور Decoration ، هي أحد التطبيقات الهامة لمفهوم اللياقة

وتعريف الديكور هو :

        علم واسع يختلف من شخصية لأخرى ومن مجتمع لآخر ، حيث أنه مرتبط بثقافات ودراسات وقدرات وعادات وتقاليد متوارثة ومكتسبة من خلال خبرات واطلاعات وتقنيات تعتمد في النهاية على إبداع وابتكار المصمم أو صانع الديكور . فمن المعروف أن التصميم الجيد أو الناجح هو أساس لأي عمل فني متكامل مبعثه قدرة المصمم على تطويع ثقافته وقدراته في خدمة التصميم الداخلي أو الديكور .ومعالجة بعض ما يقابله من مشكلات من ناحية المساحة أو أماكن الإضاءة والتهوية التي تعتبر عاملاً مهماً في تحقيق الوحدة المتكاملة للتصميم .
ومن الضروري أن يكون مصمم الديكور الداخلي ملماً بكافة الأمور المعمارية وأساليبها وتقنياتها ، والخامات والمواد المختلفة في تنفيذ أعمال الديكور سواء أنواع الدهانات الخاصة بالحوائط وخصائصها .وكذلك استخدام الألوان وتفاعلها مع بعضها ، ودرجة امتصاص الألوان للضوء وانعكاسه ، مع مراعاة فتحات الإضاءة الطبيعية في الأماكن المراد التصميم بها ، وأيضاً فتحات التهوية ودرجة التحكم بها . يعتمد التصميم الجيد في أي شكل له من أشكال الفنون التشكيلية على تنظيم ديناميكي لمجموعة من العناصر المتعددة كالخط والمساحة والعمق واللون بدرجاته المختلفة ، لنجعل من هذه العناصر تكويناً إيقاعياً جميلاً يمتاز بوحدة الشكل العام دون الإخلال بالنسب وتوازن التكوين بين الأجزاء المختلفة مع دراسة الفراغات بين أجزاء التصميم .






ثالثا : اللياقة السلوكية

وهي أيضا فن رفيع جميعنا يعرفه ويستخدمه في مناسبات عديدة ، أنه فن الاتيكيت Etiquette


تعريف الاتيكيت :

هو نسيج متواصل من القواعد والسلوكيات اللبقة التي توضح طريقة التصرف ازاء المواقف المختلفة التي نتعرض لها في حياتنا اليومية وحياتنا الخاصة ، وهو أيضا الدقة والذوق وتقدير الآخرين واحترامهم وبساطة التصرف ، كذلك فهو الخط الفاصل بين الخطأ والصواب في معظم السلوكيات الاجتماعية فهو الذي يوضح طريقة المعاملة بين الافراد .

مفهوم الاتيكيت في الموسوعة البريطانية:  السلوك الذي يساعد الناس على الانسجام و التلاؤم مع بعضهم البعض و مع البيئة التي يعيشون فيها.

و مفهوم الاتيكيت في الموسوعة الأمريكية: الاتيكيت كلمه تعني التهذيب و اللياقة و تحمل الفرد على تحسين علاقته بالآخرين. 

وقد نشأت ثقافة اللياقة الاجتماعية ( أو الاتيكيت ) عندما بدأ البشر يتجمعون في مجتمعات عمرانية متمدينة وفهموا أن أحوالهم سوف تصبح أفضل بكثير اذا مارسوا نوعا من القوانين و القواعد السلوكية  التي تقرب فيما بينهم وتكون بمثابة لغة للتواصل والتفاهم ، ويرجع أول قانون لتقويم السلوك الاجتماعي بين أفراد المجتمع الي الحضارة اليونانية والرومانية القديمة ، ثم تطور في أوروبا وأنتشر بين الاسر الحاكمة والاقطاعيين ، ومن أشهر الدول التي استخدمت الاتيكيت ومارسته بصورة كبيرة هي فرنسا في أواخر القرن السابع عشر . ومن أقدم الامثلة التي توضح نشأة العديد من التصرفات التي نقوم بها على أساس الاتيكيت : المصافحة بالايدي . فقد قرأت يوما أن قديما عندما كان المحارب يمد يده فارغة الي غريمه ، فهذا يعني أنه لا يحمل أيه اسلحة ولا ينوي القتال ، فيمد خصمه يده فارغة بدوره لتتقابل الايدي وتتصافح معلنه السلام .

ومن أقدم الكتب المعروفة عن الاتيكيت كتاب أسمه : ( تعليمات بتاح حتب ) ويرجع الي الحضارة المصرية القدديمة عام 2400 قبل الميلاد .

أصل كلمة ايتكيت :

 ويعود أصل الكلمة الي عام 1750   وهي كلمة فرنسية معناها البطاقة  : The Ticket وكان يطلق عليها Estiquette  أي " السلوك الموصوف " ، حيث كانت تطبع بطاقات عليها تعليمات وارشادات ونصائح عن كيفية التصرف بلياقة .


       

وفي عصرنا هذا ، يهتم معظمنا بمعرفة قواعد الاتيكيت ، فجميعنا يريد أن يعرف كيف يتصرف حيال هذا الموقف ، وماذا يقول في تلك الحالة ، أو ما أنسب طريق للرد على شخص ما . فسلوكنا وكذلك لغتنا يجب أن يكونا منسابين ولائقين للأوقات والمناسبات الخاصة بهم . و لا يشمل الاتيكيت في أيامنا الان الكثير والعديد من القواعد السلوكية الصارمة والمعقدة ، بل أصبح يدور حول " حياتنا اليومية " ، بهدف مساعدة جميع الناس ونيل أحترامهم وكسب محبتهم ، فأصبح ببساطة يدور حول ، البداهة في التصرف و " مراعاة الغير " . ولكل ثقافة وبيئة نظام سلوكي خاص بها وقد يختلف كليا بين ثقافة وأخرى ، أو دولة وأخرى ، فقد يكون سلوكا لائقا في دولة ما ، مشينا في دولة أخرى ، والعكس صحيح ، حتى أنه قد يعتر سلوكا ما لائقا في مدينة كبيرة ، معيبا في أحد القرى الريفية ، والعكس.


والاتيكيت يعلمنا الكثير من التصرفات الحميدة مثل:

1-  تناول الطعام باستخدام أدوات المائدة حتى لا تتسخ أيدينا ونزعج الآخرين.
2-  ترك المقاعد لكبار السن أو المرضى في الأماكن المزدحمة.
3-  طرق الباب قبل الدخول والاستئذان قبل الخروج.
4-  عدم السهر كثيرا خارج البيت والعودة في أوقات متآخرة وإزعاج النائمين.
5-  الابتسام في وجه الغير.
6-  ترك الفرصة للآخرين للتحدث أثناء الحوار وعدم مقاطعتهم.
7-  احترام الاشارات واللوائح التنظيمية سواء في الشارع أو في الشركات أو أي مكان.
8-  النظام والترتيب بصفة عامة.
9-  احترام المواعيد.
10-                     مراعاة شعور الغير.
11-                     الصوت المنخفض وعدم استخدام كلمات جارحة أو غير لائقة.
... الخ.




 رابعا : اللياقة الروحية


"لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر"        ( مت 3 : 15 )


ما هي اللياقة الروحية ؟

عرفنا مما سبق ما هي اللياقة كمفهوم عام ، ولكن ما هي اللياقة الروحية ؟


ما هو الروح؟


هل هو ذلك الهواء الذي يخرج ويدخل الي اجسادنا محملا بالاكسجين الذي يؤكسد الدم في شراييننا فيمدنا بالحياة ؟ بالطبع لا ، فكافة الحيوانات تملكه ، ويسمى نفسا ، ويتوقف بموت الكائن .
 اذن فكافة الحيوانات لها جسد ، ذلك الجسد له نفس فهو يتنفس ، ينبض بالحياة والطاقة ، وله مخ أو جهاز عصبي مركزي Central Nervous System يشبه وحدة المعالجة المركزية في الحاسب الالي Central Processing Unit حيث يتحكم في كافة عمليات ذلك الجسد وينسق بين أعضائه المختلفة ، ويحلل المعطيات الخارجية ساء السمعية أو البصرية أو الحسية ، وبه ذاكرة تخزين تختلف سعتها وقدرتها من جهاز لأخر .
كذلك الانسان له جسد ، وذلك الجسد يتنفس عن طريق الجهاز التنفسي Respiratory system ، وله مخ متصل بجهاز عصبي مركزي يتحكم ويسيطر على كافة العمليات الجسدية تماما كأي كائن حي .

ولكن لماذا يعد الانسان مختلفا ؟ لماذا  هو أعلى وأسمى من كافة الحيوانات .

-       الانسان ليس الأقوى ...........................  فالغوريلا أقوى منه
-       الانسان ليس الاسرع ........................... فالنعامة أسرع منه
-       الانسان ليس الاطول عمرا ........................... فالسلحفاة أطول عمرا منه
-       الانسان لا يطير
-       الانسان لا يسبح
-       لا يصمد أمام الحر الشديد كالعديد من الزواحف ، ولا أمام البرد القارس كالدببة القطبية
-       الانسان لا يستطيع أن يهضم أوراق الاشجار كعديد من الحيوانات ، ولا ستطيع التهام اللحوم النيئة
-       الانسان لا يتحمل الحر الشديد ، ولا يستطيع تخزين الطعام في جسده
-       الانسان لا فروة له ، ولا مخالب ، ولا أنياب حادة ، لا يستطيع القفز عاليا ، ولا تسلق الاشجار ، ولا التحليق فوق الجبال ولا الغوص لساعات في أعماق المحيطات .

ولكنه أفضل من باقي الحيوانات ، وكلنا يدرك ذلك .
فهل ندعي ذلك لأننا ننتمي لذلك المخلوق ؟  هل هو تعصب للجنس البشري ؟؟

يقال أن سبب تفوق الانسان على باقي الكائنات هو عقله : فهو أذكي من باقي الحيوانت ، ولكن هل معنى ذلك أنه لو كان هنالك حيوانا أذكى من الانسان لتفوق على الانسان وصار الاعلى في الهرم الغذائي ؟
أو ، هل اذا ولد انسانا وله اعاقة ذهنية فاقدا القدرة العقلية على التفكير يعتبر أقل مرتبه من الانسان؟


        في فيلم I, Robot (2004) ، دار هذا الحوار بين البطل ( المحقق Spooner ) والانسان الالي ( ( Sonny  :

-       المحقق سبونر : الانسان له أحلام ، حتى الكلاب لها أحلام ، ولكن ليس أنت ، أنت مجرد آله ، محاكاه للحياة ، أيقدر الانسان الالي أن يبدع مقطوعة موسيقية ، أيستطيع الانسان الالي أن يحول خرقة من القماش الي لوحة فنية ؟
-       رد عليه سوني : أتستطيع أنت ؟؟


كم منا يملك القدرة على الرسم ، أو النحت ، أو البناء ، أو تصميم الطائرات ، أو قيادة السفن الفضائية ، أو الغواصات ، أو صيد الحيتان العملاقة ؟
أنا لا أستطيع ، كذلك أنت ، لا أحد منا يقدر أن يفعل كل هذا بمفرده ، بطبيعته . بينما ( الانسان ) يقدر .

-       انا وأنت لا نطير ............. ولكن الانسان يستطيع أن يغزو السماء بل والفضاء ايضا
-       أنا وأنت لا نسبح ................... ولكن الانسان يمكنه أن يغوص أعمق من الاسماك والحيتان بل ويبني مستعمرات ومدن في قاع المحيطات
-       أنا وأنت أضعف من الحمير الوحشية .................... ولكن الانسان يتحكم فيها ، ويسيطر عليها ، بل ويروضها ويجعلها تطيعه
-       أنا وأنت لا نملك نظرا ثاقبا كالصقور ...................... ولكن الانسان يمكنه أن يري ما يحدث في دوله أخرى ، بل وعلى كوكب أخر
-       أنا وأنت لا يمككنا أن نتكلم الا اذا كنا قريبين من بعض ................. ولكن الانسان يمكنه أن يقهر حاجز المكان والزمان فينقل رسائله الي اي مكان ويخزنها لأي عدد من السنين .


هل فهمت ما أقصده ؟؟

هذا هو الروح : أنه ذلك العقل المشترك الذي لا قيمه له لدي الفرد بل تظهر قيمته في الاتحاد والمشاركة والتواصل . تأمل أي أنجاز بشري تجد أن المئات بل والالف من البشر قد ساهموا فيه و على مر العصور ، أننا ( كانسان ) متحدون متصلون لا يفصلنا مكان ولا زمان ، نتواصل عبر المحيطات ، وعبر الازمنة ، لنخلق صورة واحدة لكيان واحد : اسمه ( الانسان ) .
فالروح اذن هي القدرة على الاتحاد بالاخر ، عي العين العليا ، أو العقل السامي ، الذي يجعل الانسان يدرك اهمية وجوده كجزء من كيان عظيم اسمه ( الانسان ) .


لذلك تنتسب الروح دائما الي الفكر الديني ، الي الايمان بوجود الله .
فالروح هي التي تجعلنا نتقبل بعضنا البعض ، نقدر أهمية كل واحد منا ،
هي الدافع الوحيد لعلاقة الحب بيننا جميعا.  

فالحب اما بالعاطفة أو الغريزة كحب الحيوانات معا سواء غريزة الامومة ، أو غريزة الجنس ، أو حتى غريزة القطيع . أو يمتد فيصير رؤية أو استعلان Epiphany يدرك الفرد فيه أنه جزء من مجموعة ، أو عضو متصل بجسد ، فلا بفكر في ذاته فقط ويستغل قدراته الجسدية والذهنية في نموه الشخصي فقط وسيادته على باقي الاعضاء ، بل يفكر بعين الروح ككيان أكبر وهو ( الانسان )  ذلك الكائن متعدد الافراد الذي بنى الاهرامات ، وغوا الفضاء ، ورسم الأرض . هذة هي الروح ، وهي فقط ما يميز الانسان عن باقي الحيوانات .




وفيما يلي سوف نركز على اللياقة من منظور تطبيقها الروحي ، أي اللياقة الانسانية .




اللياقة الروحية ( أو اللياقة الانسانية ) :


" اني أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد "       ( غل 5 : 16 )


الروح كما قلنا هي علاقة حب تفوق الانا وتمتد الي الاخر ...
اذن فهي محبة .......
والله محبة ..........

وكل تعاليم تنادي بالمحبة هي تعاليم روحية ، ولكي نسلك بلياقة روحية علينا أن نفعل شيئين :

1-   أن نستخلص تلك التعاليم الروحية ونطبقها على حياتنا
2-   أن نستوعب الفكر الاسمي للروح فنميز بين الصواب والخطأ ، وبين ما يليق وما لا يليق بدون الحاجة الي الرجوع لكتب وتعاليم وفتاوي الفقهاء .


وكما يبدأ الطفل بتعلم الكتابه عن طريق حفظ الروف وتطبيقها في تركيبات نصية الي أن يكتب يستطيع أن يكتب أي كلمة بمفرده دون الحاجة الي استرجاع ما حفظه من حروف وكلمات ، كذلك السلوك ، فهو يبدأ بحفظ لوصايا السلوكية وتطبيقها وتنفيذها ثم يمتد لتتحول من أفعال الي أتجاه فكري attitude نستطيع من خلاله أن نميز بين السلوك اللائق وغير اللائق .






ماذا يخبرنا الكتاب المقدس عن السلوك بلياقة ؟

" اني أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد "       ( غل 5 : 16 )

 الكتاب المقدس ملئ بالتعاليم والوصايا التي ترشدنا الي كيفية السلوك بلياقة ، ليس مجرد اللياقة الاجتماعية أو الاتيكيت ، ولكن اللياقة الاكثر سموا ، اللياقة الروحية .




بعض قواعد السلوك بلياقة روحية من الكتاب المقدس :

-       كما تريدون أن يفعل الناس بكم ، أفعلوا أنتم أيضا بهم  (لو 6 : 31 )
-       المحبة تتأنى وترفق.المحبة لا تحسد.المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ  ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء  ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق  وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابد ( ا كو 13 : 4 – 8 )
-       لا تخرج كلمة رديئة من أفواهكم ، بل كل ما كان صالحا للبنيان حسب الحاجة كي يعطي نعمة للسامعين ( أف 4 : 29 )
-       اكرموا الجميع ، أحبوا الاخوة ، خافوا الله ، اكرموا الملك  ( 1 بط 2 : 17 )
-       فقط عيشوا كما يحق لانجيل المسيح ( فيلبي 1 : 27 )
-       الرجل الرحيم يحسن الي نفسه ، والقاسي يكدر لحمه ( أمثال 11 : 17 )
-       بالمحبة أخدموا بعضكم بعضا ( غل 5 : 13 )
-       وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض ، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضا في المسيح ( أف 4 : 32 )
-       أجعل يارب حارسا لفمي ، أحفظ يا رب شفتاي ( أمثال 141 : 3 )
-       أشكروا في كل شئ ، لأن هذة هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم ( 1 تي 5 : 8 )
-       كونوا مضيفين بعضكم بعضا بلا دمدمة ( ا بط 4 : 9 )
-       وأن يصنعوا صلاحا وان يكونوا اغنياء في اعمال صالحة وان يكونوا اسخياء في العطاء كرماء في التوزيع ( 1 تي 6 : 18-19 )
-       المساير الحكماء يصير حكيما ورفيق الجهال يضر ( ام 13 : 20 )
-       متى دعيت من أحد الي عرس فلا تتكئ في المتكأ الاول لعل أكرم منك يكون قد دعي منه فيأتي الذي دعاك وأياه ويقول لك اعط مكانك لهذا فحينئذ تبتدأ تخجل وتأخذ الموضع الاخير ، بل متى دعيت فاذهب واتكئ في الموضع الاخير ختى اذا جاء الذي دعاك فيقول لد يا صديق أرتفع الي فوق حينئذ يكون لك مجد أمام أمام المتكئين معك ، لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع . ( لو 14 : 8 – 11 ) .
-       وأيه مدينة دخلتموها وقبلوكم فكلوا مما يقدم لكم ( لو 10 : 8 )
-       الرجل الغضوب يهيج الخصومة ، وبطئ الغضب يسكن الخصام ( أم 15 : 18 )
-       فاذا كنتم تأكلون أوتشربون أو تفعلون شيئا فافعلوا كل شئ لمجد الله ( 1 كو 10 : 31 )
-       الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط ( أمثال 15 : 1 )
-       الساعي بالوشاية يفشي السر والامين الروح يكتم الامر ( أمثال 11 : 13 )
-       شفة الصدق تثبت الي الابد ولسان الكذب انما هو الي طرفة العين ( أمثال 12 : 19 )
-       أيها الاولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق ( أف 6 : 1 )
-       تحب قريبك كنفسك ( مت 22 : 39 )
-       ليكن كل انسان مسرعا في الاستماع بطيئا في التكلم مبطئا في الغضب ( يع 1 : 19 )
-       لا تدع الرحمة والحق يتركانك ( امثال 3 : 3 )
-       لكل شئ زمان ، ولكل أمر تحت السموات وقت ، للسكوت وقت وللتكلم وقت ( الجامعة 3 : 1 )
-       لا تفرح بسقوط عدوك ، ولا يبتهج قلبك اذا عثر ( أمثال 24 : 17 )
-       فلنعكف اذن على ما هو للسلام  ، وما هو للبنيان بعضنا لبعض ( رو 14 : 19 )
-       ولنشجع بعضنا بعضا على المحبة والاعمال الحسنة ( عب 10 : 24 )
-       ايها الرجال احبوا نساءكم كما احب المسيح ايضا الكنيسة واسلم نفسه لاجلها (اف 5: 25 )
-       ايها الرجال احبوا نساءكم ولا تكونوا قساة عليهنّ  (كو 3: 19 )
-       كذلكم ايها الرجال كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الاناء النسائي كالاضعف معطين اياهنّ كرامة كالوارثات ايضا معكم نعمة الحياة لكي لا تعاق صلواتكم.  ( 1 بط 3: 7 )
-       من اراد ان يحب الحياة ويرى اياما صالحة فليكفف لسانه عن الشر وشفتيه ان تتكلما بالمكر 11 ليعرض عن الشر ويصنع الخير ليطلب السلام ويجدّ في اثره ( 1 بط 3 : 10 – 11 )
-       كلمات الحكماء تسمع في الهدوء اكثر من صراخ المتسلط بين الجهال. ( جا 9 :17 )
-       ايتها النساء اخضعن لرجالكنّ كما يليق في الرب (كو 3: 18 )
-       واما الزنى وكل نجاسة او طمع فلا يسمّ بينكم كما يليق بقديسين  (اف 5: 3 )
-       لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام والحسد. ( رو 13 : 13 )
-       المحبة لا تصنع شرا للقريب.فالمحبة هي تكميل الناموس  (رو 13: 10 )
-       وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس ( كو 3 : 23 )
-        فليحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه واما المرأة فلتهب رجلها ( أف 5 : 33 )
-       ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم لئلا يفشلوا ( كو 3 : 21 )
-       تواضع الروح مع الودعاء خير من قسم الغنيمة مع المتكبرين ( أم 16 : 19 )
-       واريد ان تكونوا حكماء للخير وبسطاء للشر ( رو 16 – 19 )
-       ايها العبيد اطيعوا في كل شيء سادتكم حسب الجسد لا بخدمة العين كمن يرضي الناس بل ببساطة القلب خائفين الرب. ( كو 3 : 22 )  } بالطبع لا توجد عبودية الان ، ولكن طبق ذلك على عملك تجاه رؤساءك { .
-       ها انا ارسلكم كغنم في وسط ذئاب.فكونوا حكماء كالحيّات وبسطاء كالحمام. ( مت 10 : 16 )
-        مخافة الرب ادب وحكمة وقبل الكرامة التواضع ( أم 15 : 33 )




فمتى حفظنا التعاليم الروحية والوصايا الكتابية الصريحة في قلوبنها ستتكون لدينا رؤية أو استنارة روحانية تجعلنا نميز تلقائيا في كل شئ بين ما يليق وما لا يليق دون الحاجة إلي انتظار ردود الآخرين، لأن الروح القدس الساكن فينا سيتولى تعليمنا وتذكيرنا بكل ما قاله لنا رب المجد لنحيا الحياة الروحية وننتصر على كل ضعفاتنا ونحيا بلياقة كما ينبغي أن يكون.




الفرق بين اللياقة الاجتماعية واللياقة الروحية :

" اني أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد "       ( غل 5 : 16 )


·        اللياقة الاجتماعية ( أو الاتيكيت ) هو فن جميل ، واللياقة بما يرضي المجنمع وينظمه شئ عظيم ، ولكن :

-       الاتيكيت يعتمد كليا على الشكل والمظهر، فهو سلوك سطحي ليس له علاقة بباطن الانسان وداخله، فقد يظهر سلوكا لائقا إلا أن تلك اللياقة قد تكون بدافع الظهور بصورة أفضل، أو خداع الآخرين للحصول على منافع أو مصالح معينة.
-       الاتيكيت سلوك أناني لا يهدف الي منفعة الجميع بل منفعة الفرد ، وهو سلوك تنافسي الي حد كبير ، ففيه يحاول كل فرد الظهور بصورة أفضل من غيره .


لذلك قيل أن:

" السلوك بلياقة هو وعي مرهف واحساس بالاخرين ، ان كان لديك هذا الاحساس ، فاعلم أنك تسلك بلياقة ،عندئذ لا يهم بأي شوكة تأكل "   - أيميلي بوست  ( كاتبة أمريكية أشتهرت بكتاباتها عن فن الاتيكيت )

Manners are a sensitive awareness of the feelings of others.  If you have that awareness, you have good manners, no matter which fork you use.  ~Emily Post




















ثانيا : الحرية


Freedom



ما هي الحرية ؟












"فإني أقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي بل يرتئي إلي التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الإيمان."  (رو 12:3)




الحرية :


الحرية ليست مجرد الإنطلاق وكسر القيود المحيطة والتحليق عاليا فوق الجميع، وإنما هي التحليق ولكن من نوع آخر، فما الحرية إذن؟



اسطورة أيكاروس


تقول الأسطورة الإغريقية القديمة أن مينوس غضب بشده من أيكاروس لتسببه في موت أبنته فقام بحبس ديدالوس وابنه ايكاروس في ( لابرنيث ) وهي  متاهة عالية الاسوار، صممت لحبس الوحوش الضارية ، فلا يمكن لأحد الهروب منها ، وقد عرف عن ديدالوس نبوغه في الاعمال الهندسية وقدرته على صنع أي شئ ، ففكر ديدالوس وابنه ايكاروس بصنع أجنحة من الشمع ليطيرا خارج ذلك السجن وينعما بالحرية من جديد.. وقبل أن يطيرا حذر الأب أبنه بشده من عدم التحليق عاليا حتى لا يقترب من الشمس فتذيب اشعة الشمس الاجنحة المصنوعة من الشمع ،  وفعلاً نجحت  خطة هروبهما ونجا الأب .. لكن نشوة النصر والتحليق أسكرت ابنه ديدالوس فاستمر بالتحليق عالياً حتى لامس الشمس بجناحيه الشمعيين .. فأذابت أشعة الشمس المحرقة غرور ايكاروس المصنوع من الشمع!! ليسقط ً بقوة تتناسب ألماً مع فرحة تحليقه ..
وتقول الاسطورة أن أيكاروس سقط في البحر بالقرب من جزيرة اسمها ( أيكاريا ) وهي أحد الجزر اليونانية في بحر ( أيجه ) ، وسميت الجزيرة فيما بعد على أسم أيكاروس صاحب الاسطورة ، وتقع أيكاريا حاليا في جنوب غرب جزر ساموس .















آراء الفلاسفة فى الحرية


عرض أندرية لالاند فى معجمه الفلسفى عدة معان للحرية تناولت ميادين متعددة منها الاجتماعى والسلوكى والدينى أو الاخلاقى.
فمن الناحية الاجتماعية يظن الانسان انه حر عندما يفعل ما يريد ولاشىء من الخارج يلزمه بعمل معين، لذا جاءت الحرية الاجتماعية فى غياب الالتزام أو القانون.
أما الحرية السلوكية، أى النفسية فالمقصود بها الاستقلال التام عن كل ما هو غريب عن الفرد من بواعث ومبررات داخلية، فينبع الفعل الحر من أعماق الذات ويعبر عنها.
وتقوم الحرية الاخلاقية ( الدينية ) على الاختيار بين الخير والشر بعد تمام التفكير فيهما أو معرفتهما من الكتاب المقدس.
واذا راجعنا الى ما قاله لالاند فى معجمه الفلسفى ان الحرية الاجتماعية "تقوم فى غياب الالتزام الاجتماعى للفرد" ولكن لمجرد أن المجتمع يفرض قوانين فهل لايزال يحترم حريتى؟ بمعنى هل الذى يجبر على العمل بموجب القانون يعتبر حرا؟  سؤال خطير... وهل الذى يخرج على القانون ليبرهن لنفسه على حريته لايزال حرا؟  سؤال أكثر خطورة.

أما عن الحرية الاخلاقية ( الدينية ) التى تقوم فى الاختيار بين الخير والشر ولاشك فى انهما أهم مظاهر الحريةز. فى الوهلة الاولى يخيل لنا انها تلخص فى طياتها سائر المظاهر الأخرى للحرية. لأننا فى أى ميدان من ميادين الحياة نرجع ما نختاره الى خير أو شر.. يليق أو لايليق. ونتساءل هنا: كم من الناس يفكر مليا فيما يختاره ؟ وكم من الناس يعرف تمام المعرفة ما فيه خيره أو شره الحقيقى؟ فالاخطاء تملأ حياة كل انسانز ولعل كلا منا يدعى انه يرى الخير فيما يعود اليه بمنفعة أو يظن انه فى مصلحته وخاصة اذا كان يقوم بعمل بعيدا عن أعين الناس.

قد يقول البعض: هيا بنا نبحث عما اذا كنا احرارا أم مجبرين، ويفترض هذا السؤال أن الحرية منحة وهبنا الله اياها، وقد نجدها بمثابة حل او جواب عن سؤال نطرحه على أنفسناز. لنفرض أن هذا السؤال ممكنز. فأين نجد ما نسميه (الحرية) ؟ وما هى هذه الحقيقة التى سميناها الحرية؟
لاشك فى أن الحرية لاتوجد فى حد ذاتها، لأنها ليست بحقيقة، أى بواقعة موضوعية معطاة لنا، وبالتالى مفروضة علينا يمكننا أن نفصلها عن ذاتنا ووجودنا حتى نفكر فيها كأنها موضوع مستقل يمكننا تجريده عن ذاتنا.

يقول الفليسوف الفرنسى لافل "أنا موجود، وجودى هو وجود ذاتى، ذاتى قدرتى وامكانياتى، قدرتى وامكانياتى هى بالطبع حريتى، فأنا حرية". فاذا كان الوجود الانسانى ليس هو الا وجود (حرية) ـحسب قول لافل فالحرية نفسها هى التى تستطيع أن تتساءل عن الحرية، ونحن لن نستطيع أن نكشف عن الحرية الا فى صميم ذلك التساؤل نفسه.

اذا أضفنا الى ذلك أن الوجود الانسانى بدون (عمل ) وجود غير معقول، ونحن نعلم أن تمام حريتنا لايقوم بالعمل (الممكن) فحسب، والا ظللنا مترددين لامحالة طول حياتنا وما أنجزنا، لذا فالفعل الذى أنجزه يحقق ذاتى وشخصيتى ويعبر عن حريتى.

يقول بول بورجيه فى كتابه (ان أعمالنا تتبعنا) : "أن العمل الذى أقوم به فى وقت من اوقات حياتى له قيمة مطلقة وصدى مستمر، فان قمت اليوم بعمل حسن (لائق) فلن يمحى هذا العمل من حياتى، وسوف يكون له انعكاس حسن فى حياتى، بل فى حياة غيرى من الناس، فيتردد صداه فى مستقبلى، ولوكنت قد قمت به فى الخفية، بعيدا عن أعين الناس، لماذا؟ لأن هذا العمل الحسن (اللائق) الطيب قد يؤثر فى تصرفى اللاحق بل فى طبعى، فيجعلنى أفضل من ذى قبل وقد يستميل الآخرين فى هذا الاتجاه اللائق اللطيف، لأن العمل الطيب قد جعلنى قدوة لغيرى ليس لأنهم شاهدوه، ولكن لأن الانسان الذى امامهم قد صار افضل مما كان، وقل عكس ذلك عن العمل غير اللائق أو الهدام الذى اقترفه علنا أو حتى خفية"، فصح ما قالته السيدة اليزابيث لوسور:
"ان من يعلو بنفسه يرفع معه العالم ومن يهبط بنفسه يهبط معه العالم".

لذا دعانا السيد المسيح أن نكون نورا للعالم وملحا للأرض "ليروا أعمالكم الصالحه فيمجدوا أباكم الذى فى السموات".











" وأما الرب فهو روح ، وحيث روح الرب هناك حرية "   ( 2 كو 3 : 17 )


        عرفنا مما سبق ما هو الاتيكيت ، وكيف يمكن أن يمتد ويتطور ويرتقي فيصير من لياقة اجتماعية الي لياقة روحية ، عرفنا وصايا الهية عن كيفية السلوك بلياقة ، عرفنا كيف نتصرف أو ماذا نفعل في مواقف معينة ، ولكننا لم نجد آيات صريحة تخبرنا كيف نسلك بلياقة في المواقف الارتجالية التالية :

1-   هل يليق بالبنت أن تشرب الشيشة في وسط البلد؟
2-   هل يليق بالشيخ أن يلعب مع الاطفال في البنك؟
3-   هل يليق أن تذهب البنت الي الجامعة الساعة السادسة ؟
4-   هل يليق بالانسان أن يستر وجهه أمام الغرباء في الربيع ؟
5-   هل يليق أن يصلي الذكور مع الاناث واعمارهم مختلفة ؟
6-   هل يليق أن يتزوج الرجل من سيدة أكبر منه وينجب منها ؟
7-   هل يليق أن تجلس الزوجة بجانب زوجها في السينما يشاهدون فيلما اجنبيا ؟
8-   هل يليق الذهاب الي سينما اثناء الاجازات الاسبوعية ؟
9-   هل يليق سماع الاغاني على الراديو ؟
10-                     هل تليق الاوبرا والمسرح اذا كانت مجانية ؟
11-                     هل يليق السفر الي الخارج بالباخرة ؟
12-                     هل يليق بالمراة أن تقود سيارة زرقاء ؟ أو حمارا لقيط؟
13-                     هل يليق شرب السجائر في الشوارع العمومية التي تبدأ اسماءها بحرف السين ؟
14-                     هل يليق شرب القهوة في القهوة ؟
15-                     هل يليق صيد السمك في الصيف باستخدام سنارة يدوية؟
16-                     هل يليق أن يقتل أنسان أخيه الانسان في الحروب حتى لو لم يعرف ذلك الذي يقتله مستخدما سلاحا يجعله لا يرى وجه من يقتل؟


لا يمكن أن توجد اجابات بيليق أو لا يليق لكل تصرف بشري لعدة أسباب :

أولا: لأنه لا يوجد حصر لكل التصرفات والافعال البشرية.

ثانيا: حتى نحكم بأن شئ ما يليق أو لا يليق يجب أن ننسب اللياقة لشئ ما ، فمثلا القميص يليق على البنطلون ، أو البرواز يليق على اللوحة ، فلا نقول البرواز يليق ونسكت .

ثالثا: صعوبة الاختيار والتفضيل بين ما يليق وما لا يليق ، فكل ما يليق في مناسبة ما ، قد لا يليق في ظروف أخرى ، والعكس .

هناك مثل هولندي يقول :

 “He who has choice has trouble”

أو كما نقول بالعامية :  " عاوز تحيره ، خيره "










دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ * وَطِبْ نَفْسَاً إِذَا حَكَمَ القَضَاءُ

وَلاَ تَجْزَعْ لِحَادِثَةِ اللَّيَالِي * فَمَا لِحَوادِثِ الدُّنْيَا بَقَاءُ

وَكُنْ رجُلاً عَلَى الأَهْوَالِ جَلْداً * وَشِيمَتُكَ السَّمَاحَةُ وَالوَفَاءُ

وَإِنْ كَثُرَتْ عُيُوبُكَ فِي البَرَايَا * وَسَرَّكَ أَنْ يَكُونَ لَهَا غِطَاءُ

يُغَطّى بِالسَّمَاحَةِ كُلُّ عَيْبٍ * وَكَمْ عَيْبٍ يُغَطِّيهِ السَّخَاءُ

ولاَ حُزْنٌ يَدُومُ وَلاَ سُرُورٌ * وَلاَ بُؤْسٌ عَلَيْكَ وَلاَ رَخَاءُ

وَلاَ تُرِ لِلأَعادِي قَطٌّ ذُلاًّ * فَإِنَّ شَمَاتَةَ الأَعْدَاء بَلاّءٌ

وَلاَ تَرْجُ السَّمَاحَةَ مِنْ بَخِيلٍ * فَمَا فِي النَّارِ لِلظَّمْآنِ مَاءُ

وَرِزْقُكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَّأَنِّي * وَلَيْسَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ العَنَاءُ

إِذَا مَا كُنْتَ ذَا قَلْبٍ قَنُوعٍ * فَأَنْتَ وَمَالِكُ الدُّنْيَا سَواءُ

وَمَنْ نَزَلتْ بِسَاحَتِهِ المَنَايَا * فَلاَ أَرْضٌ تَقِيهِ وَلاَ سَماءُ

وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ وَلكِنْ * إِذَا نَزَلَ القَضَا ضَاقَ الفَضَاءُ

دَعِ الأَيَّامَ تَغْدُرْ كُلَّ حِيْنٍ * وَلاَ يُغْنِي عَنِ المَوْتِ الدَّوَاءُ



شعر للإمام الشافعي




ماذا أفعل إذن ؟


" لا نعلم ماذا نفعل ، ولكن نحوك أعيننا "   ( 2 أخ 20 : 12 )


·        هل الانسان حر ؟
·        هل الانسان مسير أم مخير في أفعاله ؟
·        هل يتحكم القدر في مصير الانسان أم يتحكم العاقل في مسرة حياته؟
·        هل الحرية ممكنة أم هي مجرد سراب نحاول اللحاق به دون جدوى؟


        لنتأمل سويا ، هل أنت تقرأ هذا الكتاب لأنك أخترت أن تقرأه ؟ ولماذا أخترت ذلك قبل أن تراه ؟ هل لأنك كنت تبحث عن موضوع مماثل ؟ أم لأن فكرة الكاتب كانت تشغل بالك من قبل، أم لأنه طلب منك تحضير درسا أو بحثا عن موضوع الكتاب ؟ أم أن العنوان جذبك ؟ أم صورة الغلاف ؟ أم تصادف وجودك في المكتبة مع رغبة دفينه في عقلك الباطن دفعتك لشرائه أو تصفحه؟

وهل هناك ما يسمي بالصدفة ؟

أن تشترك أبعاد الزمان والمكان...................
أن يتحد أبوك وأمك..............................
أن تتواجد في ذلك العصر والتاريخ والنطاق الجغرافي والبيئي والاجتماعي والثقافي.................
أن تمتلك تلك القدرات الجسدية ، والفكرية ، والروحية.................  

فتصير على ما أنت عليه الان !!!


أنا شخصيا لا أؤمن بالصدفة ، فكل شئ يحدث له سبب

Everything happens for a reason

كذلك كل شئ يحدث له نتيجه

فكيف تكون صدفة لو كانت لها سبب ونتيجه ، وكل نتيجه هي في حد ذاتها سبب لأمر أخر وهكذا ،

فحياتنا عبارة عن سلسلة من الاسباب والنتائج .

        والحرية في حد ذاتها هي سبب ، كذلك نظرة كل منا للحرية تعد سببا أو دافعا محركا لتصرفاته


يقول بطرس الرسول في رسالته :
" كاحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل كعبيد لله "   ( 1 بط 2 : 16 )

وفي ( رومية 8 : 21 ) :
" لأن الخليقة نفسها أيضا ستعتق من عبودية الفساد الي حرية مجد أولاد الله " 


فالحرية أذن أما سترة للشر أو تكون حرية مجد أولاد الله ...



فكيف نحدد حريتنا ؟؟!!!


الحرية ليست هدف بل هي اسلوب حياة ....
هي ليست نتيجة أفعالنا بل هي افعالنا في حد ذاتها

تأمل للحظات الآيتين التاليتين:

·        " كل الاشياء تحل لي ، ولكن ليس كل الاشياء توافق ، كل الاشياء تحل لي ولكن لا يتسلط علي شئ "   (    1 كو 6 : 12 )

·        " كل الاشياء تحل لي ، ولكن ليس كل الاشياء توافق ، كل الاشياء تحل لي ولكن ليس كل الاشياء تبني "   (  1 كو 10 : 23)
وما يحدد طبيعة حريتنا ، سواء كانت سترة للشر أم حرية مجد أولاد الله ، أمرين : ما يسبقها من رؤية ، وما يثمر عنها من نتائج .

فيكون الاستجواب كالاتي :

1-ماذا يقودني لفعل أمر ما ؟
2-ما هي عواقب أفعالي ؟
يقول أدواردز ديمنج ( الاحصائي الأمريكي الشهير ):
"  إن لم تستطع أن تصف ما تقوم به فأنت لا تعلم ماذا تفعل "



        اسأل نفسك : لماذا ؟ ، وما النتائج ؟
        لماذا أفعل هذا الأمر ؟ وما النتائج المترتبة عليه ؟
هل أفعله مساقا بدوافع أنانية كحب الظهور ، أو الشهوة والغريزة ، أم شهو شعور بالنقص ، أم حقد أم غرور ، ... أم هو تقليد أعمى لا أعلم لماذا أقوم به .......

أم هناك دافع روحي ، دافع يغلب عليه عنصر العطاء ، ادراك الاخر واستيعابه ،
دافع تغلب عليه المحبة   .


(( حرية مجد أولاد الله ))


اذا فكرنا في دوافعنا ، وعواقب أفعالنا ، و المعطيات الروحية لتي نملكها كالوصايا والتعاليم ، لن نحتاج لمن يخبرنا بما يليق أو لا يليق ، فنكون مميزين عارفين عالمين ممَجدين كأبناء للنور .






قرأت في إحدى المنتديات المسيحية على شبكة الإنترنت سؤالا لأحد الشباب عن أمر من أمور الللياقة يحيره ورد عليه الأنبا مكاريوس بالآتي:

أولا، سأل الشاب قائلا:

-       الصراحة انا بحب اسمع اغانى على الاقل معرفش اذاكر الا بالاغانى علشان مازهقش وفى نفس الوقت بسمع ان سماع الاغانى يعتبر شى لا يليق بالمسيحين بس المشكلة فى نفس الوقت انى لو زرت حد من اصحابى او كنت راكب فى عربية او فى مكان ما بسمع اغانى ياريت الاقى توضيح للمشكلة دى من كل الاتجاهات.


ورد عليه الأنبا مكاريوس قائلا :

-        موضوع الأغانى هو موضوع فرعى ولكن الجوهرى الذى أود أن أسالك عنه هو ماهو عمق علاقتك مع الله وبالتالى كيف تحكم على التصرفات ، هناك بعض المعايير الروحية الجيدة للحكم على الأمور التى يختلف فيها الرأي : أول معيار لو كان رب المجد مكانى فى هذا الموقف ماذا كان سيفعل ؟ ، الثانى لو انني أمام رب المجد وسأفعل هذا كيف سيكون استقباله ؟ وكلا المعيارين وجهان لعملة واحدة وهى اننا نتحرك من خلال علاقتنا الحية مع الله وان علاقتنا معه حية واننا لابد ان نشبهه وان يكون هو مالئ اعيننا وان نرضه لأننا نحبه وبالتالى ممكن احدهم يسمع اغنية او موسيقى ويستفيد بها وترقى بذوقه وافكاره ومشاعره ويرفض أغنية أخرى لأنها شهوانية ومعانيها مبتذلة ولا تبنيه ولا ترقى به ولكن فى كلا الحالتين لن يستعبد لا لأغنية ولا لغيره لأنه ملك لله وبالتالى لا يملكه الا الله وهكذا حاله وهكذا جهادنا . 
إذا إعمل فقط ما يقوله القديس أغسطينوس
"
أحبب الله وإفعل ما شئت"



هكذا كانت الإجابة وهكذا يجب أن تعيش إن أردت أن تعرف كيف تسلك في حياتك


     " فانكم انما دعيتم للحرية ايها الاخوة ، غير انه لا تصيّروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضا. "  ( غل 5 : 13 )














ثالثا : السعادة


Happiness


السعادة والسلوك بلياقة




كيف نكون سعداء؟


البحث عن السعادة :



" السعادة ليست غاية بل هي قرار "

“Happiness is a decision, not a destination”




في أحدي المستشفيات ، كان هناك رجلان مسنان ، حالتهما الصحية متدهورة للغاية ، وكانا يقطنان غرفة واحدة في أحد عنابر المسنين ، وكانت الممرضه تستعدل أحدهم ليجلس على سريره لمدة ساعة كل يوم حتي يتخلص من السوائل من رئته ، وكان سرير هذا المريض بالقرب من النافذة الوحيدة للغرفة . بينماكان الرجل المريض الاخر يقضي اليوم كله مستلقيا على فراشه .
كان هاذان الرجلان يتكلمان معا طوال الوقت عن كل شئ ، عن زوجاتهم ، وعن أسرهم وعائلاتهم ، وبيوتهم ، ووظائفهم ، وأيام الشباب والطفولة ، وكيف كان كل منهم يقضي أجازته الصيفية . وعندما تبدأ الشمس في المغيب ويأتي الموعد الذي تأتي فيه الممرضه لتستعدل المريض ذو المشكلة الرئوية وتتركه في وضع الجلوس لمدة ساعة ، يبدأ في تمضيه تلك الساعة يصف لصديقه كل ما يراه من النافذه بالتفصيل . فكان الرجل في السرير المجاور يتخيل كل ما يحكي له كأنه يراه بعينيه ، ويعيش المشاهد ، ويغوص في الألوان ، وفي الشخصيات ، يرافق الشقراء ، ويركب الدراجه ويسابق الأطفال ، ويقود السيارة الفارهة ويغازل السيدات اللواتي ذهبن للتبضع ، ويساعد سيدة عجوز لا تقو على عبور الشارع ، ويجلس على المقهى المجاور ويحتسي كل ما يشتهي ، ثم ينتظر دوره في الزحام ليحصل على واحدة من شطائر البيتزا التي تبيعها تلك الفتاة الايطالية ، ثم يحصل على شطيرته ويقبل يد الفتاة قبلة حارة ، فيحمر وجنتيها ، ثم يأخذ البيتزا ويذهب ليجلس على البحيرة ليأكل منها وهو يصطاد وحوله الزهور والأشجار في كل مكان .
هكذا كان صديقه يصف له المشاهد ، وهو نائم على سريره مغمض عينيه يعيش الحلم ويتخيل كل ما يوصف له .

وفي أحد أيام الربيع الدافئة ، جلس الرجل ككل يوم ، وأخذ يصف استعراض موسيقي كبير يسير في الشارع ، ورغم أن صديقه في السرير المجاور لم يتمكن من سماع أية أصوات الا أنه كان يتخيل ذلك لاستعراض ، بل ويتخيل موسيقاه أيضا ، فيكاد يكون يسمعها . وفجأة خطرت فكرة غريبة على بال المريض المستلقي على ظهره : لماذ يحظى هو بكل المتعة ، وأنا لا يمكنني أن أنال منها شيئا ؟ هذا ليس عدلا! " في البداية شعر الراقد على ظهره بالخجل لأنه فكر هكذا ، ولكن بمرور الأيام ، وفقدانه للعديد من المشاهد والمناظر والمواقف و الشخصيات التي كان يراها صديقه ، ازداد حقده ، وأصبح أكثر عصبية ولم يستطع النوم ، وأصبحت فكرة "لماذا لست أنا الذي يجلس أمام النافذة ؟؟! " تسيطر على عقله طوال الوقت .

        وفي أحدي الليال ، وعندما كان يحدق في السقف ، لا يستطيع النعاس ، سمع صوت صديقه المجاور للنافذة يسعل بشده ، فقد كان يختنق بسبب سوائل في جهازه التنفسي ، ولكنه لم يفعل له شئ بل أخذ يتابعه وهو يحاول أن يتمكن من زر الاغاثة ليطلب المساعدة من أحدى الممرضات ، ورغم أنه رآه يحتضر الا انه لم يرك ساكنا ، لقد أمسك بزر الطوارئ الخاص به ، ولكنه لم يستطع أن يضغط عليه ، وفي أق من خمس دقائق ، توقف السعال والاختناق ، كما توقف صوت تنفسه . ولم يبق سوى الصمت المطبق ، صمت الموت .

        في صباح اليوم التالي ، وعندما حضرت الممرضة بالطعام ووجدت الرجل المجاور للنافذة قد مات حزنت عليه ودمعت عينها فقد كانت تحب طيبته المفرطة وخفة دمه ، ثم طلبت من أحد الممرضين أن ينقله بعيدا ، وبعد فترة قصيرة ، وعندما شعر الرجل الاخر الذي كان معه في الغرفة أن الجو ملائم طلب من الممرضه أن تنقله الي السرير المجاور للنافذة . وفرحت الممرضه لهذا الطلب ولبته له على الفور ، وبعد أن تأكدت أنه استراح في سريره الجديد ، تركته وغادرت الغرفة .

        ببطء وألم ، حاول الرجل أن ينهض برفق مرتكزا على كوعه ليحظي بنظرته الأولى ، وبعد عدة محاولات أستطاع أخيرا أن يحظي برؤيه كل شئ بنفسه ، أغلق عينيه ليفاجئ نفسه ، ثم وضع وجهه أمام النافذة ليفتح عينيه فلا فيجد سوى .... حائطا اسمنيا سميكا .


البحث عن السعادة ما هو الا قرار ، أنه أتجاه أو نظره أيجابيه نجعل حياتنا كلها تسير وفقا لها . لأنها ليست هديه نسعى اليها ونتمناها في أعياد الميلاد فنجدها مغلفه ومرسلة الينا أو متروكه على عتبه أبوابنا الصباح. 


"ولا تحزنوا لأن فرح الرب هو قوتكم"  - (نح 9: 10)


“To live happily is an inward power of the soul.”  - Aristotle

( السعادة قوة من الروح ) – أرسطو

السعادة (أو الشعور بالرضا) هى من الدوافع الأساسية التى نحدد بها تصرفاتنا سواء بصورة ارادية أو بصورة غير ارادية يتحكم فيها عقلنا الباطن، فتجد معظم الناس يبحثون عن السعادة فى النجاح، فيسعون اليه ويكرسون طاقتهم من اجله باعتبار انه سيجلب لهم السعادة، كذلك (الغنى والمال) فتجدهم يعملون ويتعبون ويجتهدون فى سبيل الحصول عليه، وعندما يحصلون عليه يوهمون بالسعادة، ولكن ما أن يحصلون على تلك الأموال حتى يبدأوا من جديد فى السعى الى المزيد، فالسعادة التى تتولد، ما هى الا شعور مؤقت جدا، لحظى للغاية، حتى انها تكاد لاتكون سعادة أصلا، بل مخدر أو وهم أو ايحاء كرد فعل طبيعى اعتاد معظمنا على اتخاذه فى أوقات مثل النجاح أو الحصول على مكافأة أو علاوة أو ترقية أو الشفاء من مرض ما أو عند اقامة علاقة جديدة.. الخ فالسعادة لدينا "نمطية " stereotyped    تعتمد فى الاساس على صور أو أنماط للسعادة، وفى الواقع تلك الصور ليست لها علاقة بالسعادة على الاطلاق، ولكنها المخدر الذى يجعلنا نكف عن التساؤل عن ماهية السعادة، ولا أعلم ما اذا كانت الغريزة هى السبب أم اولئك المستفيدون الذين زرعوا تلك الفكرة فى عقولنا بالثقافة والاعلام والتربية، وهى فكرة أن السعادة دائما فى الأخذ والملذات والقوة والصحة واثبات الذات وتحقيق الأنا بالنجاح والسلطة والنفوذ.
والسعادة ليست سلعة فى حد ذاتها بل شعور داخلى، شعور برغبة فى التغيير، يظهر فى حصولنا على ما حرمنا منه، وتغيير وضع حالى لانرضى عنه، ولذلك فالسعادة هى الثروة والمال عند الفقراء المحرومين، والصحة والشفاء عند المرضى، وهى اللقاء والوصال بين العشاق، والفراق بين الاعداء، والعودة الى الوطن بين الغرباء، والحرية عند السجناء، والعدل عند المظلومين.
والسعادة أو ذلك الشعور بالرضا، يأتى فى تلك اللحظة بعينها التى يحدث فيها التغيير وتنتهى على الفو، وهى لحظة لايستطيع أحد أن يحددها أو يحكمها فهى كالفاصل بين السماء والأرض، وبين الليل والنهار، ذلك النوع من السعادة يكمن دائما فى التغيير المستمر، قد تجد شخصا ما يتمنى السفر، وبمجرد أن ينال السفر، يشعر بالسعادة والفرح، ثم ما يلبث أن يشتاق الى وطنه، فيحن الى العودة، ويسعد سعادة بالغة بذلك الوطن الذى كان هو نفسه يمقته من قبل.
ولو اعتبرنا فرحة الجندى العائد من المعركة بعد عدة سنوات عند وصوله الى وطنه من أسعد اللحظات فى حياته، فكيف تصف ذلك الشعور الذى يسبق تلك اللحظة أى لحظة الوصول ؟؟ لم يستطع أحد أن يصفه ولكنه بالتأكيد أفضل بكثير وأسعد الى القلب من لحظة الوصول نفسها، علما بانه لم يصل بعد.
فى أحدى كتاباته كتب A. A. Milne   وهو مبتكر شخصية الدب الكرتونية Pooh: "سألت الدب: ما أكثر الأشياء التى تسعدك؟ فأخذ يفكر كثيرا ثم قال... كنت على وشك أن أقول أن أفضل شىء فى الدنيا أكل العسل البرى، ولكن أوقفنى ذلك الشعور بتلك اللحظة التى تسبق تناول العسل، لحظة قدومك اليه وشروعك فى أكله، وهى لحظة ألذ بكثير من تناول العسل نفسه" . وبل وأنا أكمل لك، أن تناول العسل قد يستمر ليتحول من سعادة الى شبع ثم الى تخمة فالى ألم وخمول... أترى ما أقصد؟
لا أظن أن سبب وجودنا على هذه الأرض هو لكى نستمتع بحياتنا ونتلذذ بها، فلو كانت السعادة تكمن فى ملذات الجسد وحدها لكان الثور الذى يعيش فى زريبة واحدة مع بقرة سمينة أكثر سعادة من البشرية جمعاء.
فالسعادة فعليا ليست فى أكل العسل، وليست فى العودة الى الوطن، بل هى شئ آخر، من السهل جدا، ولكنه أيضا فى غاية الصعوبة، الوصول اليه، من الصعب لأننا لانملك المقاييس الصحيحة، ومن السهل لانه ببساطة لاتوجد مقاييس. يقول (تولستوى) : "أننا نبحث عن السعادة غالبا فى كل مكان، وهى قريبة منا، كالعجوز التى تبحث عن نظارتها وهى فوق أعينها ".
هناك قاعدة هامة فى هذه الحياة، وهى أن كل شىء يمكن أن يكون مصدرا للسعادة، اذا نظرنا اليه كمصدر للسعادة، فكل شىء من حولنا له ايجابياته وسلبياته، والايجابيات لا تعنى انه (حلو) والسابيات لاتعنى أنه (وحش)، بل هى خصائص فزيائية لأى شىء على وجه الأرض، وهذه هى الحياة، فالاختلاف والتناقض هما ما يخلقان الحياة، هل يمكن أن تكون هناك دائرة كهربائية تعمل بقطب واحد فقط وهو الموجب أو السالب ؟ مستحيل، اذن فالمعيار ليس بـ (جيد) أو (سىء) بل بنظرتنا للـ (جيد) فى الأشياء، وعدم نظرتنا (للسىء) فيها، تماما مثل كوب الماء الممتلىء حتى النصف، قد يراه شخص ملىء بالماء حتى النصف ويراه آخر فارغ من الماء حتى النصف، أنها رؤية، نظرة، أسلوب تعامل مع المعطيات من حولنا، للأسف لاندرك حقيقة أن كل شىء بلا استثناء له ايجابياته وسلبياته، فنبدأ بتصنيف الأشياء على أنها جيدة (فتسبب السعادة) أو سيئة (فتسبب التعاسة) ونصدق هذا التصنيف ونسير عليه لأنه يريح عقولنا من البحث عن ايجابيات كل ما صنفناه على أنه سلبى وسلبيات كل ما صنفناه على أنه ايجابي. وأبسط دليل هو الموت والمال؛ فى الوهلة الأولى ترى الموت على أنه ( سىء) أو سلبى ولكن اذا تعمقت تجد ايجابياته، فلو لم يكن هناك موت لما وجدنا مكان نعيش فيه، أما المال، وهو ما يصنف على أنه ايجابى، له من الأضرار ما لايحصى ولايعد ويكفى أنه يستعبد الانسان ويجعله يلهث وراءه ويخشى عليه طوال حياته، قس على ذلك كل شىء، ان تعمقت فيه ستجد ايجابياته وسلبياته متساويين فيه: الزواج، الانجاب، المواهب، العمل، السفر، العائلة، الأخوة، الأخوات، ...الخ.
فقط نظرتك للأشياء وكيفية استغلالها بايجابية هى التى تجعل منها مصدر للسعادة؛ فالحب يمكن أن يكون سلبيا ان كان أرضى أو غريزى أو قد يكون ايجابيا ان كان روحانيا، والصحة قد تكون سلبية أن استغلت بطريقة خاطئة أو ايجابية ان استغلت بطريقة ايجابية، كذلك كل شىء، حتى الايمان بالله، فالايمان بالله قد يكون تعصب وكراهية وإرهاب، وقد يكون محبة وعطاء وتسامح، والزواج قد يكون متعة وعريزة وقد يكون عطاء وحب وتضحية، ورؤيتك هى الموجه للأشياء.
فالمشكلة تكمن فى أن معظم الناس يبحثون دائما عن الحقائق والثوابت ويكيفون عليها مشاعرهم، فمثلا يعتبرون الغنى مصدرا للسعادة، والنصر مصدرا للفرح، ويتعاملون في حياتهم من هذا المنطلق كمسلمات لا تقبل التغيير وبالتالي تجد ظهور وانتشار العديد من الممارسات التي تعطي ذلك الوهم بالسعادة كالملاهي، والمباريات، وأفلام الإثارة والجنس، والمخدرات، والصخب والضوضاء، والإضاءة القوية، والتشويق والإثارة، أو التخدير والسكر، وهذة المؤثرات تستخدم في الأدب أيضا وخصوصا في الدراما والمسرح Catharsis and Purgation أي تطهير النفس أو تنفيس العواطف من خلال إثارتها وإلهائها عن حالتها الحالية من خلال التعمق في حياة الآخرين أو مشاكلهم، فننسى أنفسنا أثناء إنفعالنا في المباراة، أو في متابعة مسلسل ما، أو مسرحية مؤثرة، أو أوبرا حية، ورغم فوائدها الصحية في بعض الحالات، إلا أنها ممارسات وهمية، تخرجك من الواقع وتجعلك تعيش الموقف المرسوم، لذلك تجد هذا الاسلوب منتشر في الطقوس والعبادات الوثنية من خلال الأدوات والمؤثرات والروائح والأصوات والملابس المستخدمة.
وجميعنا يعلم في داخله أن السعادة ليست في الملابس، ولا القصور، ولا المسلسلات، ولا المباريات، ولكننا نفضل دائما أن نتوهم السعادة بالحقائق الثابتة حتى لو كانت تجعلنا تعساء على المجازفة بأن نترك كل شئ فنصير سعداء بحق. لذلك تجد الناس (تبحث)  دائما عن السعادة ويسمونه دائما "البحث عن السعادة" أو Pursuit Of Happiness مما يعطيك الإيحاء بأن السعادة دائما بعيدة في حين أنها "قرار" تتخذه بأن تتنازل عن الملذات والشهوات التي أعتدنا أن نظنها "سعادة". فأنت لست محتاجا لأن تضيع عمرك بحثا عن إثبات ذاتك من خلال نجاحك ومالك وسلطانك، وقد تحصل أو لا تحصل، أو تحصل على جزء مما تمنيت وسعيت طوال عمرك، وفي بحثك تعيش الشقاء والتعاسة وتحمل الهموم.
إننا نعمل كل يوم في سبيل المال ظنا منا إننا سنكون سعداء، فلا نكون سعداء، فنتساءل: كيف لا نكون سعداء ومعنا ذلك المال! وهنا نفكر في أن السعادة لا تكمن في المال بل فيما يستطيع المال شراؤه فنصاب بحمى شرائية، فنشتري أي شئ مكتوب عليه ( مصدرا للسعادة)؛ سيارات فارهة، قصور على البحر، رحلات، طعام، أجهزة حديثة،... الخ. وهنا نكون قد أنفقنا المال ولم نحصل على السعادة بعد، فنعمل من جديد لنشتري أشياء آخرى قد ربما تجعلنا سعداء في المرة القادمة، ويضيع العمر هكذا.
للأسف يعيش جميعنا بطريقة عكس الطبيعة فنحاول ان نحصل على العديد من الاشياء، لنكون مثل هؤلاء الذين نراهم على أنهم سعداء، فربما قد نصير سعداء مثلهم، ولكننا لم  نسأل أنفسنا هل معنا أن فلانا يملك منصبا أو قصرا أو سيارة أو قوة من نوع ما أنه سعيد؟ فى حين أن ما يجب فعله هو أن نبحث عن ذواتنا طبيعتنا الأولآ أى عما يجعلنا ( نحن ) سعداء، وليس ما نراه لدى الآخرين ونظن أنهم سعداء بسببه فى حين لايكونوا سعداء أصلا الا أمامنا أو فى نظرنا، فان لم ننظر الى الآخرين محاولين تقليدهم ستتحول السعادة لدينا من نهاية سعيدة الى رحلة سعيدة، فالسعادة ليست مكان نصل اليه بل هى الطريق، هى الاتجاه.
ومن الغريب أننا نبحث عن السعادة فى الطريق الخطأ فنسير ونسير ولا نجدها فنظن أنها تكمن فى محطة الوصول فنسير فى الأتجاه الخطأ وينتهى بنا العمر ولا نصل اليها أبدا، ذلك الأتجاه هو التعامل مع السعادة على أنها خسارة الآخرين سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، وقد لاتتفق معى فى هذا الرأى ولكن دعنى أثبته لك :
عندما كنت طفلا صغيرا أتابع الكارتون الشهير Tom and Jerry كنت أحب الفأر لدرجة أننى كنت أسعد كثيرا عندما أراه يضرب القط ويوقعه فى الفخاخ والمشاكل، لماذا؟ لماذا كنت أكره القط وأسعد لأذيته ؟ أليس حيوانا مثله مثل الفأر؟ بل هو على الأقل أقل خطرا منه بالنسبة لى كطفل لو كنت قد فكرت فيه وقتها. أنظر الى الأطفال وهم يتابعون ذلك الكرتون ستجدهم لايفرحون عندما يعانق القط الفأر أو يصافحه بل عندما يعرقل الفأر القط أو ينصب له أحد الفخاخ ويوقعه فيها أو يخون صداقته، يضحكون حين يسقط، حين يحترق، حين يغرق...
عندما تشجع فريق كرتك المفضل ويفوز بالمباراة ألا تفرح؟ ألا تكون سعيدا؟ بالطبع، ولكن ألم تفكر أن فوز فريقك هو بالضرورة خسارة للفريق الآخر، هو تعاسة مشجعيه؟
قس على ذلك كل شىء، ترقيتك، فوزك فى اليانصيب، حصولك على فرصة عمل، فوز أبنك فى المباراة... الخ.  هذا من الناحية الطبيعية، السعادة على حساب خسارة الآخرين دون الرغبة الفعلية فى خسارتهم، ولكنهم يجب أن يخسروا لأكون سعيدا.
ولكن هناك نوع آخر من السعادة أكثر قساوة وهو التمنى الفعلى للآخرين أن يخسروا، فان تترصد شركة لشركة أخرى الخسارة والسقوط أو هبوط مبيعاتها فترتفع مبيعات منافستها، فتجد أن مثل هذه الممارسات أمر طبيعى بين الشركات واستراتيجية تستخدم كثيرا، فتجد شركة كبيرة لكى تقضى على شركة صغيرة تقوم باغراق السوق بنفس المنتج ولكن بأسعار قليلة جدا حتى أنهم قد يقبلون الخسارة فى السنوات الأولى طالما سيتسبب ذلك فى القضاء على منتج الشركة المنافسة الصغيرة التى لاتستطيع أن تتحمل الخسارة.
كذلك تجد موظفا يتمنى فشل زميله فيترقى بدلا منه، وأيضا تجد فرح دولة ما بكارثة تصيب دولة معادية لها دون اعتبار أن من أصيبوا بالكارثة هم بشرا لهم أسرهم ولهم من سيحزن عليهم.
إذن، فخلاصة القول هو أن السعادة الحقيقية يجب ألا تكون على حساب الآخرين.

"فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم هكذا أنتم أيضا بهم. لأن هذا هو الناموس والأنبياء"
(مت 7: 12)

يقول ماكسيم جوركي: "تظهر السعادة صغيرة الحجم في أيدينا، فمكانها ليس بين الأصابع، دعها تذهب وتنطلق، هناك فقط سترى كم هي كبيرة وتسعد كثيرين".
فالسعادة تجانس وتناغم مع كل شىء فلا يمكن بل ويستحيل أن تكون سعيدا وفى الوقت نفسه تسبب الألم والشقاء والحقد والخسارة لدى آخرين.
يقول غاندى " السعادة تكمن عندما يكون تفكيرك، وكلامك، وأفعالك فى تجانس باستمرار."
والسعادة تكمن أيضا فى البساطة، فى زراعة حقل يطعم آخرين، فى بناء قارب يربط بين جزيرتين، فى تعليم طفل القراءة والكتابة، أوفى أعطاء نصيحة نافعة، أوفى محاولة شفاء مريض، أو فى الدفاع عن مظلوم، أوفى خدمة المجتمعز ستقول لى أنك تتكلم عن الطبيب والمهندس والزارع والمحامى، انها وظائفنا ولكنها لاتجلب لنا السعادة!
انها وظائفنا بالفعل ولكننا لانستيقظ كل يوم بهدف اسعاد الآخرين بل بهدف اسعاد أنفسنا وتحقيق نجاحنا الشخصى لذلك لاينتهى بنا الحال سعداء.
تخيل أنك تذهب كل يوم الى عملك (مهما كان) بهدف خدمة الآخرين بل واسعادهم فكيف سيكون شعورك ؟ أليس على الأقل أفضل من أن تذهب وأنت قلق كم من المال ستحصل اليوم ؟

"ان لم يبن الرب البيت فباطلا تعب البناءون، وان لم يحرس الرب المدينة فباطلا سهر الحراس. باطل هولكم التبكير. أنهضوا من بعد جلوسكم يا آكلى الخبز بالهموم، فانه يمنح أحباءه نوما."

والقيمة الحقيقية ليست بالضرورة فى الأشياء الثمينة، فالثرى هو ذلك الشخص الذى يعطى قيمة للأشياء الرخيصة أو المجانية، وتلك الأشياء الرخيصة قد تكون منظر طبيعى، موسيقى هادئة، كتاب مفيد، لعبة بسيطة، وردة صغيرة، رسالة حب أو شكر...  الخ.
والاشياء المجانية مثل الحب والرحمة والتسامح لها من القيمة ما جعل المال عاجزا عن تحديد سعر لهز
كذلك تكمن السعادة فى الرضا والشكر وعد العطايا والنعم بدلا من عد النقود والأرقام، ثم البحت الدائم والمتواصل لتفعيل ما لدينا وتشغيله لنخدم ونفيد به الآخرين، فنخلد بالآخرين الى الأبد، لأننا ان لم نعطى مما لدينا، سينتهى بنا العمر وينتهى ما كان لدينا، ولكن أن أعطينا مما لدينا للآخرين سيعطيه الآخرون بدورهم الى آخرين وبذلك نعيش الى الأبد وتخلد سيرتنا من خلال ما نعطيه مما نملك، وكلما أعطينا كلما ازدادت أجزاءنا الخالدة، ولا تخف من أن  تفقد ما لديك بالعطاء لأن ما قد تفقده باعطاء قد تفقده بدونه، وما لاتفقده بدون العطاء لن تفقده بالعطاء (كالصحة، والوقت، والمعرفة،....  الخ.) وتأكد أن بالعطاء فقط يصير المجتمع سعيدا ومتكاملا، لأنه من المستحيل أن تكون سعيدا بمفردك، فالسعادة مشاركة.
"لو كان لديك تفاحه ولدى تفاحه مثلها وتبادلناهما فيما بيننا سيبقى لدى كل منا تفاحة واحدة، ولكن لو كان لديك فكرة ولدى فكرة وتبادلنا هذه الأفكار فعندها كل منا سيكون لديه فكرتين " (برناردشو)
السعادة تسبه نشوة الخلود، لا معنى لها ان  اكتشفت انك لن تموت أبدا لكنك ستبقى وحيدا الى الأبد، فالسعادة ليست فى الأخذ ولا فى السعى وراء ذلك السراب المسمى بالسعادة الوهمية أو تنفيس العواطف، بل تكمن السعادة الحقيقية فى العطاء، فى الخدمة، فى التواصل، فى فهم الآخرين، فى التسامح، فى القناعة والشكر، فى التوكل على الله، ويمكننا أن نلخص كل ذلك فى كلمة واحدة ونقول أن السعادة تكمن فى المحبة.
فنحن البشر مخلوقات اجتماعية لايمكننا أن نعيش أو نتطور الا باعتمادنا على البعض، فلكل فرد دور يكرس فيه كل قدراته ليخدم بها الباقين، لذلك فالسعادة الحقيقية لايمكن أن تتحقق ان لم ننجح فى علاقتنا مع الآخرين، وذلك لايكون الا اذا آمنا بان سعادتنا لاتحيا الا ان كان الآخرون سعداء، فالخبز الذى تاكله ان لم تكن اشتريته من صاحب الفرن السعيد، الذى اشتراه من بائع الدقيق السعيد، الذى اشتراه من بائع القمح السعيد، الذى اشتراه من الفلاح السعيد، الذى أصبح سعيدا لأنك أبتسمت فى وجهه الشهر الماضى، لن يكون له مذاقا سعيدا فى فمك، قذ تضحك على المثل ولكنى مقتنع أنه نقل لك الرسالة، فهى منظومة متكاملة يؤثر ويتأثر الجميع فيها بعضهم البعض، وتأكد أن ابتسامة صغيرة على وجهك تغير مسار الكون كله كل يوم، انها رسالة قصيرة تخبر بها من يراك بان يكون سعيدا، تنقل له سعادتك فيتأثر بها ويؤثر من خلالها فى كل من حوله.
"هناك قانون عجيب فى طبيعة حياتنا، وهو أن اكثر ثلاثة أشياء نتمناهم من الحياة وهم السعادة والحرية وراحة البال لايمكن أن يتحققوا الا من خلال منحهم للآخرين "
(كونواى مارش)
فالسعادة الحقيقية لاتتحقق الامن خلال منحها للآخرين، وتأكد أنك تملك مخزون من السعادة يكفى لاسعاد الآلاف من البشر؛ صحتك، قدرتك، إرادتك، مواهبك، خدمتك، أفكارك، طموحاتك، شغفك، عاطفتك، طاقتك، وقتك، ولا تنس أبدا... أبتسامتك.

"أعزف لحنا سعيدا فيتبعك راقصون سعداء
أرض بما لديك
أفرح بما هو عليه الحال
وعندما تدرك أن لا شئ ينقصك
ستملك العالم كله"
-         تاو تشينغ




غالبا لا نعلم ماذا نفعل لأننا نسأل السؤال الخطأ :

-       هل ما سأفعله سيجعني سعيدا ؟ كما لو كانت السعادة نتيجة ، فنقنع أنفسنا بأمور وهمية
مثل :
·        النجاح يؤدي الي السعادة
·        المال يجعل المرء سعيدا
·        الزواج يؤدي الي السعادة
·        السلطة مصدر السعادة
..... الخ

-       ذات يوم سألت أحد أصدقائي المولعين بفكرة أن يكون له هدف وطموح : ما هو هدفك في الحياة ؟
-       أن أحصل على مجموع كبير في الثانوية العامة
-       ثم ؟
-       أدخل كليه من كليات القمة
-       ثم ؟
-       أتفوق فيها
-       ثم ؟
-       أسافر الي الخارج
-       ثم ؟
-       أعمل في وظيفه مرموقه
-       ثم ؟
-       أتزوج وأنجب
-       ثم ؟
-       أجعل أولادي متفوقين وسعداء في حياتهم
-       ثم ؟
-       يدخلون كليات مرموقة و يعملون في وظائف محترمة ويتزوجون وأرى أولادهم
-       ثم ؟
-       نعيش سعداء كلنا معا


اذا كان الهدف الاسمى هو السعادة لماذا تنتظر حتى تصبح جدا فتصير سعيدا وأنت على سرير الموت . لماذا لا تصير سعيدا الأن ؟






نسأل في أعماقنا :

·        هل تلك الحفلة ستجعلني سعيدا ؟
·        هل تلك اللعبة ستجعلني سعيدا ؟
·        هل تلك الصداقة ستجعلني سعيدا ؟
·        هل ذلك الزوج سيجعلني سعيدة ؟
·        هل هذا الزي ستجعلني سعيدا ؟
·        هل تلك الوظيفة ستجعلني سعيدا ؟
·        هل أنجاب الأطفال في هذا السن سيجعلني سعيدا ؟
·        هل الهجرة ستجعلني سعيدا ؟
 .... وهكذا


+ لماذا تنتهي الحفلة وتنتهي معها سعادتها ؟
+ لماذا نعود من الرحلة تعبانين ومرهقين ناسيين كل شئ كأنها لم تكن ؟
+ لماذا نشتري أغلى الملابس وبعد أن نرتديها لا نشعر أن شيئا قد تغير ؟


في حين أن كل هدف نضعه من أجل أن نصير سعداء لا ينفك أن ينتهي ويتلاشى ونعود نشقى من جديد نبحث عن شئ أخر يجعلنا سعداء .

أننا نتعامل مع السعادة على أنها مخدر ، نشوة وهمية ، Placebo effect ، ما علاقة الفوز بالسعادة ، أو الغنى ، أو الزواج ، أننا ببساطة نصف كل ما هو لنا على أنه مصدر للسعادة ، وكل ما هو علينا على أنه مصدر للحزن . أعتدنا على هذا التفكير منذ أن كنا أطفالا نكافأ بأن نأخذ ونعاقب بأن يؤخذ منا ، فربطت أذهاننا فكرة أن نكون سعداء عندما (نحصل) وتعساء عندما (نفقد) .
ولكننا الان نضجنا ، ويمكننا أن ندرك أن الحياة لا تدور حولي وحولك فقط ، بل أننا جزء من حياة أكبر ، فالزواج حياة وليس مصدر للسعادة ، كذلك الموت فهو جزء أخر من الحياة ، الفوز والهزيمة هما شئ واحد ، ففوز فريق هو هزيمة الاخر ، وكل في صورة أكبر هي الحياة .
أذن فالنجاح ، والغنى ، والسلطة ،  والمرض ، والأطفال ، والسفر ، والطعام والشراب ، والموت ... كلها مكونات لحياتنا وليست مصادر لسعادتنا أو شقائنا .








فما هي السعادة ؟


هل هي الغني ؟

كيف تكون السعادة في المال و"المال هو أصل كل الشرور"


( لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ )


في أنجيل متى الاصحاح 12

"  وقال له واحد من الجمع يا معلّم قل لاخي ان يقاسمني الميراث.  فقال له يا انسان من اقامني عليكما قاضيا او مقسّما.  وقال لهم انظروا وتحفّظوا من الطمع.فانه متى كان لاحد كثير فليست حياته من امواله.  وضرب لهم مثلا قائلا.انسان غني اخصبت كورته.  ففكر في نفسه قائلا ماذا اعمل لان ليس لي موضع اجمع فيه اثماري.  وقال اعمل هذا.اهدم مخازني وابني اعظم واجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي.  واقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة.استريحي وكلي واشربي وافرحي.  فقال له الله يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك.فهذه التي اعددتها لمن تكون.  هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنيا للّه

   وقال لتلاميذه.من اجل هذا اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا للجسد بما تلبسون.  الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس.  تأملوا الغربان.انها لا تزرع ولا تحصد وليس لها مخدع ولا مخزن والله يقيتها.كم انتم بالحري افضل من الطيور ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة.  فان كنتم لا تقدرون ولا على الاصغر فلماذا تهتمون بالبواقي.  تأملوا الزنابق كيف تنمو.لا تتعب ولا تغزل.ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها.  فان كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا فكم بالحري يلبسكم انتم يا قليلي الايمان.  فلا تطلبوا انتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا.  فان هذه كلها تطلبها امم العالم.واما انتم فابوكم يعلم انكم تحتاجون الى هذه.  بل اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد لكم "


هل السعادة في العائلة والروابط الأسرية والانتماء؟

" الوطنية هي أيمانك بأن وطنك أسمي من باقي البلدان فقط لأنك ولدت فيه" – برنارد شو

ويقول شو أيضا : " لن يسود السلام العالم حتى تُستأصل الوطنية من الجنس البشري"

ليس معنى أننا ولدنا في هذة الاسرة أو في هذة القبيلة أو حتى في هذة الدوله أن ننسب أنتمائنا اليها ، وتكون سعادتنا في حضنها ، فنحن لسنا كالحيوانات التي لا ترى سوى ما حولها فلا تعطف ولا تنتمي الا الي بيئتها التي نشات فيها وقطيعها الذي ترعرعت بين أفراده.
فخطورة أن يكون لك وطن تنتمي اليه هي أن لكل وطن حتى يكون له كيان يجب أن يكون له أعداء ، وأعداء وطنك هم أعدائك ، أذن فأيمانك بأنتمائك لوطنك ، يجعل لك أعداءا هم أعداء وطنك ، فتقابل عاطفتك للقريب كراهيتك للبعيد .


يقول المسيح :
"واعداء الانسان اهل بيته. من احب ابا او اما اكثر مني فلا يستحقني.ومن احب ابنا او ابنة اكثر مني فلا يستحقني. 38 ومن لا ياخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني. "

 "فاني جئت لأفرّق الانسان ضد ابيه والابنة ضد امها والكنة ضد حماتها."


    وفيما هو يكلم الجموع اذا امه واخوته قد وقفوا خارجا طالبين ان يكلموه.  ثم مدّ يده نحو تلاميذه وقال ها امي واخوتي. لان من يصنع مشيئة ابي الذي في السموات هو اخي واختي وامي



هل السعادة هي النجاح ؟

وما هو النجاح ؟ هل هو مجرد أجتياز اختبارات وضعها الاخرون لنا ؟

يقول رالف والدو أيمرسون : 

" النجاح هو أن تضحك كثيرا ، وتفوز باحترام الاذكياء وحب الاطفال ، وأن تحظى بتقدير النقاد الأمناء وتتحمل خيانة الاصدقاء ، وان تقدر الجمال ، وترى الافضل في الاخرين ، وترغب في تحسين صورة العالم  - ولو قليلا – سواء بتنشئة طفل صحيح أو زراعة حديقة ولو صغيرة ، أو تصحح أوضاعا اجتماعية ، أو أن تعرف أن حياة فرد قد سارت أسهل بسبب وجودك ، فهذا هو النجاح "                             - رالف والدو إيمرسون


هل السعادة في العلم والمعرفة ؟

- كلما أزددت علما ، كلما أزددت علما بجهلي "    - أينشتاين
فالعلم بحر كبير لا نهاية له ولا توجد محطة وصول فيه، كما أن ماءه مالح لا يروي أبدا، هو فقط صانع ماهر للسباحين.


هل السعادة هي القدرة على التعبير عن الرأي أمام الاخرين ؟

من الجميل أن نعبر عن راينا أمام الأخرين ، ولكن من الاجمل والأرقي ، أن نملك المقدرة على قبول أراء الاخرين .

"قد لا أتفق معك في الرأي ولكني على استعداد أن أصل الي حد التضحية بذاتي في سبيل الدفاع عن حقك في التعبير عن رأيك"        - فولتير



هل السعادة هي السلطة ؟

·        يقول أنتوني روبنز : " السلطة المطلقة : هي القدرة على تحقيق النتائج التي تريدها مع المحافظة على مكانتك ، وهي القدرة على تغيير حياتك وتشكيل مفاهيمك وجعل الامور تسير في صالحك وليس العكس. ان السلطة الحقيقية هي أمر تتقاسمه مع الاخرين ولا تفرضه عليهم . وهي القدرة على تحديد احتياجاتك كانسان ثم الوفاء بها ، كذلك احتياجات من يهمك أمرهم ، وهي القدرة على توجيه دفة مملكتك الشخصية ؛ تفكيرك وسلوكك ، من أجل تحقيق النتائج التي تريدها .       - أنتوني روبنز


هل السعادة هي الأيمان ؟

"الانسان حسب ما يؤمن به"        - أنتون تشيكوف


تعريف الايمان:  الايمان هو عبارة عن أي مبدأ أو أعتقاد أو عاطفة مرشدة يمكن أن تمد المرء بمعنى للحياة وترشده فيها . فالمعتقدات هي المرشحات المعدة مسبقا والمنظمه لرؤيتنا للعالم . وهي أشبه بقائد المخ . فعندما نؤمن بصورة ملائمة بصحة شئ ، فان ذلك بمثابة اشارة الي المخ تخبره بكيفية تمثيل ما يحدث . " من كتاب قدرات غير محدودة ".

  وكتب جون ستيوارت ميل ذات مرة  قائلا : " ان شخصا يتمتع بالايمان له قوة تعادل تسعة وتسعون شخصا لا يؤمنون . وهو على وجه التحديد السر وراء فتح الايمان لباب التفوق . فالايمان يرسل بأمر مباشر الي جهازك العصبي ، فعندما تؤمن بأن شيئا ما صحيحا ، فانك تصبح في حالة يكون فيها هذا الشئ حقيقيا فعلا .

ويقوم الإيمان على القبول بما لا ترى. وجزاؤه ان ترى ما تؤمن به   - القديس أغسطينوس


هل السعادة في تحقيق الاهداف ؟

كثيرون يقولون أن السر الحقيقي في السعادة هو وجود هدف واضح نسير في اتجاهه طوال الوقت ، هذا ما نسمعه من الجميع ، بل ونسمعه من فلاسفة كبار ، ورجال دين وسيايسة مرموقين ، فمثلا قال الرئيس الامريكي الراحل روزفلت :
" اننا ننجح فقط اذا كان لنا في الحياة ، أو في الحروب ، أو في أي شئ أخر ، هدف واحد تنصاع له كافة لاعتبارات الاخرى "

!!!!!!!!!

ما رأيك في هذة المقولة ؟

هل تعلم ما معنى هذا ؟
أن وجود هدف في حياتك يجعلك لا تري أي شيء أخر باستثناء ذلك الهدف ، فيصير كل ما هو (أخر) معوقا لو لم يساهم في وصولك لهدفك ، فترى الاخرين أما منافسين لك ، أو أدوات تستغلها لتساعدك في تحقيق ذلك الهدف .


يقول الفليسوف والمفكر الصيني كونفشيوس : "من لا هدف له ، لا يهمه شئ"



قصة حقيقية

تولى عرش النمسا الإمبراطور فرانس جوزيف و هو شاب عمره 18 سنة و قد ورث عن جدته الإمبراطورة ماريا أنطوانيت ابنة الإمبراطورة ماريا تريزا إمبراطورية واسعة مترامية الأطراف ، فقد كانت النمسا وقتها ليست دولة صغيرة مثل الآن ، بل ظلت تتسع حتى ضمت أجزاء من إيطاليا و هولندا وألمانيا و غير ذلك من الدول.
كيف يحكم فرانس جوزيف الشاب هذه الإمبراطورية ؟!
لقد كان عنده قصور شتوية وقصور صيفية أعظمها حاليا هو قصر الشامبرون الذي تفوق على قصر فرساي في فرنسا ويوجد به حديقة مساحتها 2 كيلومتر مربع وكل شئ بالقصر مطلي بالذهب عيار 24 قيراط والنجف تضيئه الشموع حيث كان مخصصا له 300 خادم لإضاءة الشمع قبل دخول الكهرباء.
أراد فرانس أن يستكمل الجمال فتزوج أجمل فتاة هي الإمبراطورة سيسي إليزابيث التي كان يبلغ طول شعرها متر ونصف تقضي الساعات في تصفيفيه وقد أنجبت ولد و3 بنات والآن ماذا يريد أكثر من ذلك من الحياة ، لديه كل شئ في الدنيا ، كل ما يتمناه.
غنى ... القصور الشامخة ... الزوجة الجميلة ... الأولاد.... لكنه عاد و راجع نفسه هل كل هذا يشبع النفس وسرعان ما أفاق لنفسه .... وأخذ قرارا أن يترك الحياة المرفهة و يعيش مثلما بدأ عسكري صغير في الجيش ، فاكتفي بــ3 حجرات فقط في القصر الذي بلغ عدد حجراته1442 حجرة ، وطلى الذهب الذي يزين الحجرة بدهان رمادي وعمل مكان يركع فيه ليصلي في حجرة نومه وتعلم حرفة النجارة حتى يكون مثل أي شخص عادي يتعلم حرفة ، وأصر أن ينام على سرير 80 سم من الحديد و مرتبة رفيعة مثلما كان جنديا صغيرا في الجيش مستغنيا عن السرير الإمبراطوري المرصع بالذهب الذي يبلغ عرضه 260 سم و فتح حديقة القصر الشاسعة لكل الناس يتنزهوا بها ، فلماذا يحرم أخوته من هذه المتع ؟
وكان يلصق صور القديسين الصغيرة على دولاب ملابسه حتى تجد صورة 100 قديس في حجرته.
و طلب أن يقابل كل إنسان لديه مشكلة ويريد مقابلته ، فيستقبله و يتحدث معه و هو واقف احتراما له ، وأبدل أثاث حجراته الثلاثة بأساس بسيط للغاية و أحب شعبه و بادله الشعب الحب وأطال الله عمره حتى حكم الإمبراطورية أطول مدة حكمها أباطرة أوربا ، فحكم من سن 18 سنة حتى 86 سنة.
وشعر بالسعادة الحقيقية عندما أحب الله وترك من أجله الكثير وأحب شعبه وبذل كل جهد لإسعاد كل فرد فيه ، فهذه حقا هي السعادة وكل زائر يزور القصر يتعجب للفارق الشاسع بين حجرات الإمبراطور الثلاث وحجرات زوجته الإمبراطورة المرصعة بالذهب و الأثاث الفاخر و لكن من كان أسعد؟؟؟ الذي أحب إلهه و شبع به و ضحى من أجل إسعاد الآخرين أم التي عاشت لنفسها تحاول أن تشبع من متع العالم؟؟؟؟


جلست على قمة العالم حين صرت لا أشتهى شيئا ولا أخاف شيئا
(القديس أغسطينوس)


ولكن هل يمكن أن نعيش بلا هدف ؟

يقول يسوع المسيح :

     " لا يقدر احد ان يخدم سيدين.لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر.لا تقدرون ان تخدموا الله والمال.  لذلك اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون.ولا لاجسادكم بما تلبسون.أليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس. انظروا الى طيور السماء.انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن.وابوكم السماوي يقوتها.ألستم انتم بالحري افضل منها.  ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة.  ولماذا تهتمون باللباس.تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو.لا تتعب ولا تغزل.  ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الايمان.  فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس.  فان هذه كلها تطلبها الامم.لان اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها. لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم.  فلا تهتموا للغد.لان الغد يهتم بما لنفسه.يكفي اليوم شره "  ( مت 6 )

وفي الصلاة الربانية : "ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك"
كيف اذن أن نسير في حياتنا بدون هدف ؟



أولا : التسليم الكامل لله :

-       " سلمنا فصرنا نحمل "  - (  أع 27 : 15 )

فهو خالقنا ومدبر حياتنا ولسنا نحن المتحكمين في أمورنا وأحوالنا وظروفنا وقراراتنا بل هو

" أليست خمسة عصافير تباع بفلسين.وواحد منها ليس منسيا امام الله. بل شعور رؤوسكم ايضا جميعها محصاة.فلا تخافوا انتم افضل من عصافير كثيرة "  ( لو 12 : 6 )

حتى ولو قابلتا مشاكل وضيقات...

        في أحد الأيام وجد رجلا شرنقة لأحدى الفراشات ، فعجبته بشدة وقرر الاحتفاظ بها ليتابع الفراشة وهي تولد وترى الحياة لأول مرة ، وبعد بضعة أيام ، وجد الشرنقة تهتز وقد بدأ يظهر فيها ثقبا صغيرا ، فجلس وأخذ يتأمل الفراشة وهي تخرج ، وقد استغرق الامر عدة ساعات ، والفراشة تحاول أن تخرج وتفشل ثم تحاول من جديد وكان يراها تصارع الشرنقة كي تخرج منها ولكنها لم تستطع وظهرت كما لو كانت لا تحقق أي تقدم وأتضح أنها أعطت أفضل ما لديها ولا يمكنها الصراع أكثر من ذلك ، فقد ظهر الاجهاد عليها ورغم محاولاتها العديدة الا انها عاجزة عن الخروج . فقرر الرجل أن يساعد الفراشة ، فأخذ مقصا صغيرا وقص الجزء الباق من الشرنقة ليسهل ليفتح للفراشة طريقا للخروج ، عندئذ فقط استطاعت الفراشة أن تخرج من الشرنقة بسهولة ، ولكن جسدها كان منتفخا وأجنحتها كانت قصيرة . واستمر الرجل بمراقبة الفراشة ، فقد كان منتظرا أن يرلا أجنحتها نمت وأمتدت لتقلص انتفاخ الجسم لتبدأ في الطيران في أي وقت ، الا ان شيئا لم يحدث . بل في الواقع أمضت هذة الفراشة بقية حياتها تزحف على الارض بجسدها المنتفخ وأجنحتها القصيرة . ولم يقدر لها الطيران أبدا .

        ما قام به هذا الرجل ، بطيبة قلب وحسن نية هو أنه لم يفهم أن تلك الشرنقة الحائلة دون خروج القراشة ، والصراع الذي كان يجب أن تقوم به الفراشة حتى تستطيع أن تخرج من شرنقتها ، هو ما يعطي الفراشة القوة ويمد أجنحتها بالطاقة والسوائل الحية لتستطيع الطيران بمجرد أن تنال حريتها من الشرنقة .

أحيانا كثيرة يكون الصراع ، والمشاكل، والعقبات أشياء نحن في حاجة اليها لحياتنا، فلو جعلنا الله نعيش أيامنا بلا مشاكل أو عقبات لأصبحنا عاجزون قليلوا الخبرة، وضعفاء بلا قوة ولا تحمل.

أتذكر وقتا كنت معرضا لضغوط ومسؤليات عديدة عندما أخبرني أحد الأصدقاء المقربين جدا إلي هذا المثل، والذي كان له تأثيرا قويا في رفع روحي المعنوية وزيادة ثقتي، حيث يقول: "لو كانت كل البحار هادئة طوال الوقت، لما ظهر في عالمنا البحارون الماهرون".  

ردد معي:

-       طلبت القوة ، فأعطاني الله الصعوبات لأنتصر عليها وأكون قويا
-       طلبت الحكمة ، فوهبني الله مشاكل أجد لها حلولا فأتعلم الحكمة
-       طلبت الشجاعة ، فأعطاني الله المخاطر لاهزمها فلا أخاف بعد ذلك
-       طلبت عطايا ، فمنحني الله فرصا أكثر لاستغلها
-       لم أحصل على شئ مما كنت اشتهي ، ولكنني حصلت على كل ما أحتجت فعلا اليه !





ثانيا : لا نهتم بالافعال بل بالاتجاهات الفكرية Attitudes

"لا نعلم ماذا نفعل ولكن نحوك أعيننا"           – ( 2 أخ 20 : 12 )

أي نظرتك لحياتك ، فيكون لك فلسفة واضحه في الحياة مبنية على كل ما تعلمته ، ولاحظته ، وأدركته ، وأستنتجته .
فتكون نظرتك لحياتك من ناحية انك جزء من نظام كامل خلقه الله ويسيطر على كل تفاصيله حتى الأكثر دقه فيه ، كذلك لا تستسلم للجانب الغريزي فترى نفسك على أنك الشمس محور الكون ، والكل يدور حولك ، تذكر دائما أنك جزء هام وحيوي واساسي في هذا النظام العظيم الذي يصعب علينا أدراكه كله ، ولكن ما يجب أن ندركه ونتذكره كل حين هو أنا مهمون والا لما كنا وجدنا من الاساس .


ثالثا : المحبة الروحية :

المحبة ليست العاطفة ، ليست الاستمالة الي الاخر ، ليست الاعجاب والارتياح ، ليست الامتاع والاشباع ، المحبة رؤية ، اسلوب حياة ، علاقة الهية وليست ارضيه ، المحبة رباط كوني

وتذكر دائما أن: ( الله محبة )

المحبة هي محبة الأخر ، هي محبة الأعداء ، محبة ( الانسان ) في كافة صوره ، وليس مجرد محبة المقربين أو من لي مصالح لديهم .

يقول يسوع المسيح :

    "سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك.  واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم.باركوا لاعنيكم.احسنوا الى مبغضيكم.وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم.  لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات.فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم.اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك.  وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون.أليس العشارون ايضا يفعلون هكذا.  فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السموات هو كامل .
 فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم.  ولا تدينوا فلا تدانوا.لا تقضوا على احد فلا يقضى عليكم.اغفروا يغفر لكم.  اعطوا تعطوا.كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في احضانكم.لانه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم."


المحبة :
" المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ  ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء  ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابدا. واما النبوات فستبطل والألسنة فستنتهي والعلم فسيبطل."


























رابعا:



 اتباع التقاليد أم الابتكار والتطوير


Traditional Thinking
VS.
Innovative thinking









الناس ترى أشياء تحدث وتقول "لماذا؟" لكنني أحلم بأشياء لم تحدث بعد وأقول "لم لا؟"     - برنارد شو




رابعا : اتباع التقاليد أم الابتكار والتطوير


بدأ القطار ينطلق من المحطة ، ملئ بركاب أعمارهم مختلفة ومن بيئات ودول مختلفة ، ففيه يركب رجالا وسيدات من الفلاحين وعمال المصانع ، كذلك الطلبة العائدون الي بيوتهم ، هنالك أيضا يجلس بعض الرجال في زي رسمي تظهر عليهم سمات الطبقة المتوسطة ، وفي المقدمة بضعة كراسي أكثر فخامة يجلس عليها عدد قليل من الأزواج : رجالا وسيدات من الطبقة الارسطقراطية للمجتمع ، والذين يتضح من وجوههم أنهم أضطروا لركوب هذا القطار لظروف ما .

          وبالقرب من أحد النوافذ ، كان رجلا عجوزا يجلس وبالقرب منه أبنه ، شاب  وسيم في العشرينات من عمره ، وما أن تحرك القطار ، بدأ ذلك الشاب في الانفعال فرحا ، وأخذ ينظر بشده من النافذة وهو مبتسم بمنتهي السعادة فقد كانت المناظر من حوله تغمر مشاعره بسعاده لم يألفها أحد من قبل . وكلما مروا بمشهد ما يأخذ يصيح : "أنظر يا أبي ، الاشجار تتحرك بجانبنا ، أنها جميله جدا وهي تسير " ، وبعد قليل :  "أبي أبي ، أنها بحيرة جميله ، أنظر الي الطيور التي تأتي من السماء لتشرب منها " ، وبعد فترة : " أبي أبي ، أنظر الي هذه السحابة أنها تسير معنا ، ولكننا أسرع منها ، لا أريد أن نسبقها فهي جميله جدا "

          هذا السلوك الغريب من شاب في مثل هذا السن جعل الناس في القطار ينظرون اليه بانزعاج متسائلين : "لماذا يفعل هكذا ؟ "   وأخذوا يتهامسون فيما بينهم : " لابد وأنه مجنون أو متخلف عقليا " ، " هذا الشاب ليس طبيعي "  ، وأخرون استاءوا من تصرفاته : "أنه مزعج جدا "
بل وقد شعرت أحدي الأطفال بمقعد مجاور بالخوف من تصرفه ، وأحتمت في صدر أمها خائفة تبكي .

          وفجأة تلبدت السحب في السماء ، وبدأت الامطار تهطل وتدخل الي الركاب من النافذة المفتوحة بالقرب من ذلك الشاب . أما الشاب وقد ملأته السعادة أكثر :  "أنظر يا أبي ، أنها الأمطار ، أنظر كم هي جميله ، أتراها كما أراها ؟ "

وكانت أحد السيدات تجلس بالمقعد المواجه لهما ، وقد بدأت مياه المطار تبلل ثيابها ، فأغتاظت من ذلك الشاب غريب الأطوار ، وقالت لأابيه بغضب : "ألا ترى أنها تمطر أيها الرجل العجوز ؟ أن كان أبنك ليس على ما يرام فيمكنك أن تأخذه لأي مصحة عقليه حتى لا تزعج به الاخرين ."

        تردد الرجل العجوز قليلا ، ولكنه رد عليه بصوت منخفض قائلا : "أننا في طريق عودتنا من المصحة بالفعل ، لقد سمحوا لأبني هذا أن يغادرها فقط هذا الصباح ، أبني هذا كان كفيفا منذ طفولته ، ولم يتم شفائه سوي اليوم ، لذا فكل ما يراه من مناظر طبيعية ، وأمطار ، هي أشياء يراها لأول مرة بعينيه ، لذا أرجو أن تعذروننا على المضايقة التي تسببناها لكم جميعا "




        هناك مقولة شهيرة لأالبرت أينشتاين يقول فيها : "أن الخيال أعظم بكثير من المعرفة "

فبدونه لما كنا قد أخترعنا الظائرة ، ولا شيدنا تلك الابراج ، ولا نحتنا مثل هذة التحف الفنية .
فالابتكار هو ليس مجرد القدرة على رؤيه ما لا يراه الاخرين ، بل هو رؤيه كل الاشياء التي يراها الاخرون و سماع كل ما يسمعه الاخرون ، ولكن ليس بالطريقة التي اعتاد الأخرون عليها .

        " لقد رأيت الملاك داخل الحجارة ، فنحت من حوله حتى أطلقت سراحه "
                _ مايكل أنجيلو _


ان اتباع التقاليد ، والاعراف ، والنظام العام شئ جميل فهو يساعد على استقرار المجتمع ويعطيه الفرصه في النمو والتعمق ، ولكن يجب أن نكون يقظين دائما ونسأل أنفسنا باستمرار :
" هل نحن نسير وفقا للتقاليد لأننا أعتدنا ذلك ، أم  لأننا نخشى الخروج عنها فينقدنا الاخرين ، أم لأننا مقتنعون أنها الانسب ؟ "  كذلك أيضا ، فأن الخروج عن النظام والمألوف هو مايجعلتا نتطور ، فالتطور ما هو الا بزوغ طفرة في السائد ، فاما أن تتلائم وتليق تلك الطفرة على الظروف والاشخاص المعنيين بها فتصير عرفا فيما بعد ، أو تصبح شاذة غير مقبوله فلا تجد تربة تنمو فيها فتذبل وتموت .
ولكن ليس بالضرورة أن تكون كل طفرة مقبوله صالحة ، حتى لو لائقة . فظهور المخدرات ورواجها كطفرة شقت طريقها وأصبحت أمرا مألوفا للعديد من الفئات الذين أعتادوا عليها حتى صارت بالنسبة اليهم أحد التقاليد والعادات التي تتغلغل فيهم ، ليست بالطفرة الصالحة .

فما اذن مقياسنا ؟ ببساطة مقياس أي شئ هو ( البناء ) أي بناء النفس والاخر . قد أخترع دواء فيه شفاء من كل الأمراض ، ولكن ليس بهدف محبة الاخرين بل بهدف بيعه وجني المال والشهرة ، فلا يعتبر هذا الدواء طفرة صالحة بل شئ جديد يتحكم فيه تقليد قديم جدا وبدائي للغايه أسمه غريزة حب الأنا . أفتح أفقك ، فكر كيف تبني ، ما دام هناك أمراض ، وفقر ، وخلافات من حولك فأعلم أن ما يسير عليه الناس من حولك من تقاليد وعادات ليس كاملا ، بل مازال بحاجة الي طفرات اصلاحية ، ففكر اذن في التدخل الاصلاحي ، واعلم أنك تستطيع ، لا يعص عليك أمر .


أذن ، ومما سبق ، هل يجب أن نسير وفقا للعادات والتقاليد فقط ؟ نسير وفقا لما يليق أو لا يليق فقط ؟ ام يجب الخروج عن المألوف وعن المرئي والمسومع والملموس وترك العنان للخيال لكي يسبح في الأفق ويأتي بكل ما هو جديد . وثق دائما أن ليس كل ما أعتاد الناس على فعله يعد صوابا فكثيرا ما نرى أخطاء شائعة تولد حقوقا مشروعة ، لذلك ليس بالضرورة أن يكون أي خروج عن المألوف والتقاليد صوابا .






" أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني "

لا تجعل سلوك الاخرين وعاداتهم تحد من سلوكك ، فلا حدود لقدراتك أو تصرفاتك

" كل الاشياء تحل لي ولكن ليس كل الاشياء توافق ، كل الاشياء تحل لي ولكن لا يتسلط علي شئ " ( 1 كو 6 : 12 )

" كل الاشياء تحل لي ولكن ليس كل الاشياء توافق ، كل الاشياء تحل لي ولكن ليست  كل لاشياء تبني "  ( 1 كو 10 : 23 )




فلا تخش أن تفعل كل شئ ، تخط حدودك وقدراتك ، ولكن كل ما تفعله يجب أن:

1-   يوافق ، أي يناسب ، أي لا يضر أحد ، ولا يجرح أحد ، حتى ولو كان الاخرون أقل علما ، أو خيالا ، أو معرفة ، بل يصير للخير والبناء ، لا بدافع الانانية والظهور بل بدافع المحبة
2-   يبني : أي يساعد الاخرين وينيهم
3-   لا يتسلط علي : لا يجعلني عبدا له ، والا تحول الفعل أو السلوك الي خطيه

ولا تجعل طموحك مثل السلحفاة التي ظنت أنها تقدر على الطيران فسقطت ، لأن  " الاشياء العظيمة يجب أن يسبقها أيمان قوي ، وليس مجرد تقليد للأخرين "















الخلاصة :

فكر في تصرفاتك وردود أفعالك وأسأل نفسك :

1-   هل ما أفعله له أضرار ، وعواقب سيئة
2-   هل ما أفعله ضد النظام العام ، وسوف يشوه الصورة الأكبر ويسبب مشاكل لي ولأخرين ؟
3-   هل ما أفعله يسبب لي خجل
4-   هل ما أفعله أخشى أن يراه الاخرون
5-   هل ما أفعله قد أندم عليه ؟
6-   هل ما أفعله قد يجعلني أكذب ان سؤلت عليه بعد ذلك ؟
7-   هل ما أفعله أقوم به بدافع التقليد الأعمى ومن داخلي لا أرغب في فعله ؟
8-   هل ما أفعله ناتج عن نقص أو ضعف في شخصيتي أحاول أن أخفيه بتصرفاتي ؟


" ليمتحن كل واحد عمله .. لان كل واحد سيحمل حمل نفسه. " ( غل 6 : 4 -5 ) 





في هذا الكتاب :


تعرضنا معا لفكرة اللياقة ، وأصولها اللغوية والتطبيقية ، وعرفنا ما هو السلوك والفرق بين السلوك الاجتماعي واللياقة الروحية ، وعرفنا ما هي الحرية الحقيقية وكيف نختار أفعالنا ، وهل السعادة هي الدافع الوحيد وراء كل ما نقوم به ووراء كل سلوك نسلكه ، فتطرقنا الي  السعادة ، و طرحنا أراء بعض الكتاب والفلاسفة عن كيفية أن نصير سعداء .
وأخيرا ، أحب أن أقول أن هذا الكتاب لا يخبرك بما يجب أن تفعله وما لا يجب أن تفعله ، بل يعلمك كيف تفكر ، كيف تحدد وتختار تصرفاتك ، وأهم من ذلك : كيف تسلك بلياقة !





مينا عدلي يونان

يناير 2009  

No comments:

Post a Comment

I said what I thought, if you have something you want to say, be my guest