Tuesday, August 7, 2012

جوهر المسيحية

ماذا يميز الديانة المسيحية عن باقي الديانات؟ 
وما هو جوهر المسيحية؟ 
وهل المسيحية هي الثالوث والتجسد والبابا والكنيسة؟ 
وهل فعلا المناصب الكنسية والأدوات والرموز والطقوس الازياء ماهي الا موروثات وثنية اصطبغت بصبغة دينية لخلق هوية وجذب المتدينين الجدد؟
هل المسيحية هي الايمان بأن المسيح هو الله؟ 
فيما يلي بإختصار وجهة نظر كتابية (أي من وحي الكتاب المقدس) تبين بإختصار ما هي المسيحية .. الحقيقية. أو جوهر المسيحية. 
أولا المسيحية ليست ديانة فالمسيح لم يضع طقوسا ولا عبادات بل كان يضعها دائما في المرتبة التالية بعد الحب والرحمة والإيمان. 
فالايمان والاعمال هما جوهر المسيحية ومايميز تعاليمها عن اي فكر آخر: 
أما الايمان فهو بالله، ليس بالكلام، ولا السجود ولا العبادة الشكلية، ولكن بالاقتناع الكلي أن الله هو ضابط الكل، وان الهدف من الحياة هو التسليم "الكلي" له، وبالتالي لا يوجد ما يسمى بحرية الانسان وقدرته، بل "حرية أولاد الله" أي الحياة في كنف الله بالتسليم الكلي. وهي على عكس المفترض، حياة صعبة وشاقة، لان الانسان بطبعة ضعيف ويخاف المجهول، ويحتاج الي حياة جهاد حقيقي لكي يصل لدرجة التسليم الكلي لله والاعتماد عليه بدلا من التخطيط لحياته والترتيب لمستقبله. 
والاعمال تتلخص في ترجمة الايمان لحب وعطاء ورحمة للآخرين: أي الاهتمام بحياة الآخرين وترك حياتنا نفسها ليرعاها الله. 

ثانيا المسيح ليس الله، ولا يوجد نص كتابي واحد يقول ان المسيح هو الله، بل عشرات النصوص التي تدل ببساطة أن المسيح "ابن" الله و"ابن" الانسان. حاملا الصفات الانسانية كبشري والصفات الالهية من معجزات وقدرات خارقة على الشفاء وإقامة الموتى بل وخلق الأعضاء، كل هذا بمشيئة الله وإرادته، فالله من قبل ومن بعد المسيحية هو الضابط الكل، غير المحدود  أي في "كل مكان" وزمان خارجنا وداخلنا، لا يخلو منه كيان ولا يخلو من كيان.  والمسيح عندما جاء بميلاده غير البشري وحياته وقيامته من الموت جاء ليكون الرسول والرسالة، الطريق والحق والحياة، جاء ليعلمنا أن نحب الله من كل القلب ونحب قريبنا كأنفسنا، وحياته كانت النموذج الذي يحتذى به، صار الطريق الوحيد الموصل لله، فطبيعة الله غير المحدودة لا تسمح للانسان أن يتواصل معه ويخاطبه ويتصل به دون "وسيط" أو "شفيع" يربط الطبيعة البشرية الساقطة البعيدة بالطبيعة الالهية الخالقة الخارقة. 

ومن هذا المنطلق، يرتكز الايمان بالله، أنه "ضابط الكل" المسيطر على كل شئ والمدبر لكل الحيوات والانظمة من أَضخمها وأكثرها تعقيدا الي ابسطها واصغرها، وان الايمان بالله هو التسليم المطلق له وان الحرب الحقيقية لكل انسان ليست حرب افعال (فعل الحلال وتجنب الحرام بصورة مبرمجة عميانية أو خوفا من عقاب مستقبلي) بل هي حرب افكار وتوجهات فكرية، هل سيستطيع الانسان التصدي لذاته وأنويته والتخلص من تلك الذات المحورية ووضع الله مكانها؟ وان استطاع فإلي متى سيصمد قبل أن يبدأ في الخوف والقلق وبالتالي يكذب ويسرق ويقتل ويزني ويغتاب، وإن سقط متى سيعود مرة أخرى إلي التوجه العقلي السليم ليسلم ذاته وحياته لله ويعود إيمانه من جديد، فيتلاشى الخوف والقلق من شر العالم ونقص وضعف الجسد، ويسير الانسان في ظل النور الالهي – تلك الرؤية أو التوجه المؤمن المسلم – لذلك فالصلاة المسيحية يجب أن تبدأ بطلب الرحمة والغفران، لا على الفعل، فالله هو الذي سمح به بل واراده، ولكن على عدم الثقة فيه والتسليم له، وبمجرد التوبة والرجوع، حتى يعود يحل في الانسان الأقنوم الثالث في المسيحية، وهو روح الله – أو الروح القدس – المرشد الشخصي لكل انسان والموجه الوحيد لله هو الذي يبكت ويعزي. 

والتسليم لله والايمان بأن الله هو ضابط الكل، تجعلنا ملزمين بالغفران، فكيف نؤمن أن كل الاشياء تحدث بمشيئة الله، وندين ونلعن وننتقم ونكره الأخرين، فالايمان الحقيقي بالله يجعل الغفران أمر طبيعي فكيف ندين شخص ما ونحن نعلم أن ما فعله ضدنا هو مشئية الله. 

وقد يرد البعض على فكرة التسليم الكلي بأن هذا يجعل الانسان مسيرا لا قيمة له، ولصاحب هذا الرأي أقول له، بالتواضع فقط وعدم رفض فكرة القيمة الشخصية بل القيمة المستمدة من الله ستضئ الفكرة وتذول الغشاوة، وقد يرد آخر بانه إن كنا مسيرين لفعل ارادة الله فكيف سيحاسبنا الله ولمن الفردوس والجحيم؟ والاجابة ببساطة أن الحساب ليس على الفعل فكل فعل ناتج عن اسباب لا حصر لها وهذه المسببات هى التي تحدد حيواتنا وتميزها وهي بمشيئة الله لأن خطة الله مرسومة بدقة وعناية وليست متروكة لأمزجة البشر Butterfly effect أما الحساب فيكون على الرؤية والتوجه الفكري والايمان، فإن كان للعقل دور فهو ليتأمل عظمة الله ويشكره عليها لا أن يتحدى مشيئته ويدعي المشيئة على خليقته. الله خلق الجنة واعطى الانسان ان يعطي للحيوانات اسماء، فحرية الانسان حرية في "رؤية الأمور" هل سيسمي الثعلب  بالمفترس المتوحش أم المخلوق الجميل الذي خلقه الله ليحافظ على توازن النظام؟  

أخيرا، المسيحية ليست ديانة بل هي فكر ورؤية يمكن أن يؤمن بها أي انسان، وهي الرؤية الوحيدة التي ستخلصه وتضعه على الطريق الحقيقي، لذلك فمن دعائم المسيحية هي قبول الآخر سواء شخص أو فكر أو ديانة، فأيا كان الآخر فهو من الله بالله ولله فالمحبة "تقبل كل شئ"، لذلك ففكرة رفض الآخرين ونبذ غير المسيحيين هو سلوك غير مسيحي بل وأيضا نقيض للمسيحية أساسا. 


فالمسيحية باختصار هي ايمان بالله الواحد الوحيد الضابط الكل وبالتالي التسليم المطلق له، ولمعرفة الله يحتاج الانسان إلي طريق يربطه بالله ويريه النموذج الحقيقي للتسليم والايمان بملكوت الله، هذا الطريق هو المسيح، وهو الوحيد الذي نادى بذلك، والذي بدون الروح القدس لا يستطيع احدا أن يؤمن به لأن روح الله هو النور الذي يضئ للانسان الطريق فيراه ويسلك فيه فيتصل بالله. 




No comments:

Post a Comment

I said what I thought, if you have something you want to say, be my guest